بفتح بلاد كسرى وقيصر[1] اهتزّت له قلوب المسلمين حماسةً وأملًا، بل إيماناً ويقيناً.
ويحدّثنا التأريخ أنّ كثيراً ممّن اعتزل الحياة العمليّة بعد رسول اللَّه لم يخرج عن عزلته إلى مجالات العمل إلّاحين ذكر هذا الحديث النبوي[2]، فقد كان هو والإيمان المتركّز في القلوب القوّة التي هيّأت للحرب كلّ ظروفه وكلّ رجاله وإمكانيّاته.
وأمر آخر هيّأ للمسلمين أسباب الفوز وأنالهم النصر في معارك الجهاد لا يتّصل بحكومة الشورى عن قربٍ أو بعد، وهو الصيت الحسن الذي نشره رسول اللَّه للإسلام في آفاق الدنيا وأطراف المعمورة، فلم يكن يتوجّه المسلمون إلى فتح بلدٍ من البلاد إلّاكان أمامهم جيش آخر من الدعايات والترويجات لدعوتهم ومبادئهم.
وفي أمر الفتوحات شيء آخر هو الوحيد الذي كان من وظيفة الحاكمِين وحدهم القيام به دون سائر المسلمين الذين هيّأوا بقية الامور، وهو ما يتلو الفتح من بثّ الروح الإسلامية، وتركيز مثاليات القرآن في البلاد المفتوحة، وتعميق الشعور الوجداني والديني في الناس الذي هو معنىً وراء الشهادتين. ولا أدري هل يمكننا أن نسجّل للخليفتين شيئاً من البراعة في هذه الناحية؟ أو نشكّ في ذلك كلّ الشكّ كما صار إليه بعض الباحثين، وكما يدلّ عليه تأريخ البلاد المفتوحة في الحياة الإسلاميّة؟
كانت الظروف كلّها تشارك الخليفتين في تكوين الحياة العسكريّة
[1] راجع تأريخ الطبري 2: 92
[2] المصدر السابق