مثاليته التي يعتقدها فيه كلّ مسلم.
واريد أن أترك لي كلمةً مختصرةً في هذا الموضوع فيها مادّة لبحثٍ طويل، ولمحة من دراسةٍ مهمّةٍ قد أعرض لها في فرصةٍ اخرى من فرص التأليف، وأكتفي الآن أن أتساءل عن نصيب هذا الرأي من الواقع.
صحيح أنّ الإسلام في أيّام الخليفتين كان مهيمناً، والفتوحات متّصلة، والحياة متدفّقة بمعاني الخير، وجميع نواحيها مزدهرة بالانبعاث الروحيّ الشامل واللون القرآنيّ المشعّ، ولكن هل يمكن أن نقبل أنّ التفسير الوحيد لهذا وجود الصدّيق أو الفاروق على كرسيِّ الحكم؟
والجواب المفصّل عن هذا السؤال نخرج ببيانه عن حدود الموضوع، ولكنّا نعلم أنّ المسلمين في أيّام الخليفتين كانوا في أوج تحمّسهم لدينهم، والاستبسال في سبيل عقيدتهم، حتّى أنّ التأريخ سجّل لنا: أنّ شخصاً أجاب عمر- حينما صعد يوماً على المنبر وسأل الناس: لو صرفناكم عمّا تعرفون إلى ما تنكرون ما كنتم صانعين؟-: إذن كنّا نستتيبك فإن تبت قبلناك، فقال عمر:
وإن لم؟ قال: نضرب عنقك الذي فيه عيناك، فقال عمر: الحمد للَّهالذي جعل في هذه الامّة مَن إذا اعوجَجنا أقام أوَدنا[1].
ونعلم أيضاً أنّ رجالات الحزب المعارض- وأعني به أصحاب عليّ- كانوا بالمرصاد للخلافة الحاكمة، وكان أيّ زللٍ وانحرافٍ مشوّهٍ للون الحكم حينذاك كفيلًا بأن يقلبوا الدنيا رأساً على عقب، كما قلبوها على عثمان يوم اشترى قصراً، ويوم ولّى أقاربه، ويوم عدل عن السيرة النبوية المُثلى[2]، مع أن
[1] انظر المناقب للخوارزمي: 98، الحديث 100
[2] راجع تأريخ الطبري 3: 347- 349