وأضف إلى ذلك أنّ الصدِّيق نفسه كان يكتفي كثيراً بالدعوى المجرّدة عن البيّنة. فقد جاء عنه في صحيح البخاري[1] أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لمّا مات جاء لأبي بكر مال من قِبل العلاء بن الحضرمي فقال أبو بكر: مَن كان له على النبيّ دَينٌ أو كانت له قِبله عِدَة فليأتنا. قال جابر: وعدني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا فبسط يده ثلاث مرّات، قال جابر: فعدّ في يديّ خمسمائة، ثمّ خمسمائة، ثمّ خمسمائة.
وروي في الطبقات[2] عن أبي سعيد الخدري أ نّه قال: سمعت منادي أبي بكر ينادي بالمدينة حين قدم عليه مال البحرين: مَن كانت له عِدَة عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فليأت، فيأتيه رجال فيعطيهم. فجاء أبو بشير المازني فقال:
إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: يا أبا بشير إذا جاءنا شيء فأتنا، فأعطاه أبو بكر حفنتين أو ثلاثاً فوجدوها ألفاً وأربعمائة درهم.
فإذا كان الصدِّيق لا يطالب أحداً من الصحابة بالبيّنة على الدَّين أو العدة فكيف طلب من الزهراء بيّنة على النِحلة؟!
وهل كان النظام القضائي يخصّ الزهراء وحدها بذلك أو أنّ الظروف السياسية الخاصّة هي التي جعلت لها هذا الاختصاص؟
ومن الغريب حقّاً أن تقبل دعوى صحابي لوعد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بمبلغ من المال وتردّ دعوى بضعة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لأنّها لم تجد بيّنة على ما تدّعيه!
وإذا كان العلم بصدق المدّعي مجوّزاً لإعطائه ما يدّعيه فلا ريب أنّ الذي لا يتّهم جابراً أو أبا بشير بالكذب يرتفع بالزهراء عن ذلك أيضاً.
[1] صحيح البخاري 2: 953، حديث 2537 كتاب الشهادات- باب 29
[2] الطبقات الكبرى 2: 318