وصدقه أولى بأن يكتسب تلك الصفة في المجالات القضائية.
وعلى اسلوب آخر من البيان نقول: إنّ القرآن الكريم لو كان قد نصَّ على ملكية الزهراء لفدك وصدّقها في دعوى النِحلة لم يكن في المسألة متّسع للتشكيك لمسلم أو مساغ للتردّد لمحكمة من محاكم القرآن. ومن الواضح أنّ نصّه على عصمة الزهراء في قوّة النصّ على النِحلة؛ لأنّ المعصوم لا يكذب، فإذا ادّعى شيئاً فدعواه صائبة بلا شكّ. ولا فرق بين النصّ على العصمة والنصّ على النِحلة فيما يتّصل بمسألتنا، سوى أنّ ملكية الزهراء لفدك هي المعنى الحرفي للنصّ الثاني، والمعنى المفهوم من النصّ الأوّل عن طريق مفهومه الحرفي.
4- ونقول من ناحية اخرى: إنّ أحداً من المسلمين لم يشكّ في صدق الزهراء ولم يتّهمها بالافتراء على أبيها، وإنّما قام النزاع بين المتنازعين في أنّ العلم بصواب الدعوى هل يكفي مدركاً للحكم على وفقها أو لا؟ فلندع آية التطهير ونفترض أنّ الخليفة كان كأحد هؤلاء المسلمين، وعلمه بصدق الزهراء حينئذٍ ليس حاوياً على الامتياز الذي أشرنا إليه في النقطة السابقة، بل هو علم في مصاف سائر الاعتقادات التي تحصل بأسباب هي عرضة للخطأ والاشتباه، ولا تدلّ حينئذٍ جعل البيّنة دليلًا على مشاركته لها في تلك الخاصّية، لأنّه ليس أولى منها بذلك كما عرفنا سابقاً.
ولكن الحاكم يجوز له مع ذلك- أن يحكم على وفق علمه، كما يجوز له أن يستند في الحكم إلى البيّنة بدليل ما جاء في الكتاب الكريم ممّا يقرّر ذلك؛ إذ قال اللَّه تعالى في سورة النساء: «وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»[1]، وقال في سورة الأعراف: «وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِه
[1] النساء: 58