الدعوى المعلوم صدقها إلى بيّنة؟
قال المعترضون على أبي بكر: إنّ البيّنة إنّما تُراد ليغلب في الظنّ صدق المدّعي، والعلم أقوى منها، فإذا لزم الحكم للمدّعي الذي تقوم البيّنة على دعواه يجب الحكم للمدّعي الذي يعلم الحاكم بصدقه.
والاحظ أنّ في هذا الدليل ضعفاً مادّياً؛ لأنّ المقارنة لم تقم فيه بين البيّنة وعلم الحاكم بالإضافة إلى صلب الواقع، وإنّما لوحظ مدى تأثير كلّ منهما في نفس الحاكم، وكانت النتيجة حينئذٍ أنّ العلم أقوى من البيّنة؛ لأنّ اليقين أشدّ من الظنّ. وكان من حقّ المقارنة أن يلاحظ الأقرب منهما إلى الحقيقة المطلوب مبدئياً الأخذ بها في كل مخاصمة. ولا يفضّل علم الحاكم في هذا الطور من المقايسة على البيّنة؛ لأن الحاكم قد يخطأ كما أنّ البيّنة قد تخطأ، فهما في شرع الواقع سواء، كلاهما مظنّة للزلل والاشتباه.
ولكن في المسألة أمر غفل عنه الباحثون أيضاً، وهو أنّ ما يعلمه الخليفة من صدق الزهراء[1] يستحيل أن لا يكون حقيقة، لأنّ سبب علمه بصدقها ليس من الأسباب التي قد تنتج توهّماً خاطئاً وجهلًا مركّباً، وإنّما هو قرآن كريم دلَّ على عصمة المدّعية[2]. وعلى ضوء هذه الخاصّية التي يمتاز بها العلم بصدق الزهراء يمكننا أن نقرّر أنّ البيّنة التي قد تخطأ إذا كانت دليلًا شرعياً مقتضياً للحكم على طبقه. فالعلم الذي لا يخطئ وهو ما كان بسبب شهادة اللَّه تعالى بعصمة المدّعي،
[1] راجع قوله- أي الخليفة الأوّل- في تصديق الزهراء، شرح نهج البلاغة 16: 216
[2] كما في آية التطهير قوله تعالى:« إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» الأحزاب: 33. راجع المستدرك 3: 160- 161. راجع صحيح مسلم 4: 1883 الحديث 2424، فضائل الصحابة؛ باب فضائل أهل البيت عليهم السلام