وثانياً: هل الحيازة دليل على المِلكية؟ والجواب الإيجابي عن هذه المسألة ممّا أجمع عليه المسلمون، ولولا اعتبارها كذلك لاختلّ النظام الاجتماعي للحياة الإنسانية.
وقد يُعترض على دعوى أنّ فدك كانت في يد الزهراء بأ نّها لم تحتجّ بذلك، ولو كانت في يدها لكفاها ذلك عن دعوى النِحلة والاستدلال بآيات الميراث، وفي المستندات الشيعية للقضية جواب عن هذا الاعتراض؛ لأنّها تنقل احتجاج أهل البيت بذلك على الخليفة[1]، غير أ نّنا لا نريد دراسة المسألة على ضوء شيء منها.
ولكن ينبغي أن نلاحظ أنّ فدك كانت أرضاً مترامية الأطراف وليس شأنها شأن التوافه من الأملاك والمختصّات الصغيرة التي تتّضح حيازة مالكها لها بأدنى ملاحظة. فإذا افترضنا أنّ فدك كانت في يد فاطمة يتعهّدها وكيلُها الذي يقوم بزراعتها، فمن يجب أن يعرف ذلك من الناس غير الوكيل؟!
ونحن نعلم أنّ فدك لم تكن قريبة من المدينة ليَطّلع أهلها على شؤونها، ويعرفوا من يتولّاها، فقد كانت تبعد عنها بأيّام، كما أ نّها قرية يهوديّة[2]، وليست في محيط إسلامي لتكون حيازة فاطمة لها معروفة بين جماعة المسلمين.
فماذا كان يمنع الزهراء عن الاعتقاد بأنّ الخليفة سوف يطالبها بالبيّنة على أنّ فدك في يدها إذا ادّعت ذلك، كما طالبها على النِحلة ما دامَ- في نظرها- مسيّراً في الموقف بقوّة طاغية من هواه لا تجعله يعترف بشيء؟
وكان من السهل في ذلك اليوم أن تبتلع الحوت وكيل فاطمة على فدك
[1] الاحتجاج 1: 92
[2] راجع: فتوح البلدان/ البلاذري: 42- 43