لم يجب عليه أن يحفظها عليهم؛ لأنّهم هم الذين حرموا أنفسهم اللطف[1].
ولُاسجّل ملاحظتي على هذا الكلام ثمّ أنتقل بك إلى الناحية الثانية.
فأقول: إنّ الخوف من انقطاع النبوّة إنّما يصحّ على اصول الشيعة إذا نشأ عن احتمال إفساد الناس لدينهم على نحو لا يستحقّون معه ذلك، كما هو الحال في زمان غَيبة الإمام المنتظر صلوات اللَّه عليه، لا فيما إذا كان سببه الاطّلاع على عدم لياقة جماعة خاصّة للنبوّة مع استحقاق الناس لها. فإنّ إرسال الرسول أو نصب مَن يقوم مقامه واجب في هذه الصورة على اللَّه تعالى، لِما أوجبه على نفسه من اللطف بعباده. وإذن فقصور أبناء العمومة عن نيل المنصب الإلهي لا يجوز أن ينتهي بزكريّا إلى احتمال انقطاع النبوّة وانطماس معالم الدين إذا كان الناس مستحقّين للألطاف الإلهية. وإذا لم يكونوا جديرين بها فمن الممكن انقطاع الاتّصال بين السماء والأرض سواء أكان بنو العمومة صالحين أو لا، وسواء منَّ اللَّه عليه بذرّية أو بقي عقيماً. والآية الكريمة تدلّ على أنّ الباعث إلى الخوف في نفس زكريّا إنّما هو فساد الموالي لا فساد الناس.
الثانية: عن طريق تفسير الموالي بالامراء، بمعنى أنّ زكريّا خاف أن يلي بعد موته امراء ورؤساء يفسدون شيئاً من الدين، فطلب من اللَّه ولداً ينعم عليه بالنبوّة والعلم ليبقى الدين محفوظاً[2].
ولنا أن نتساءل عمّا إذا كان هؤلاء الرؤساء الذين اشفق على الدين منهم هم الأنبياء الذين يخلفونه؟ أو أ نّهم أصحاب السلطان الزمني والحكم المنفصل عن السماء؟ ولا خوف منهم على التقدير الأوّل إطلاقاً؛ لأنّهم أنبياء معصومون. وأ مّا
[1] راجع شرح نهج البلاغة 16: 257
[2] شرح نهج البلاغة 16: 257- 258