إذا كانوا ملوكاً فقد يخشى منهم على الدين، ولكن ينبغي أن نلاحظ أنّ وجود النبيّ حينئذٍ هل يمنعهم عن التلاعب في الشريعة والاستخفاف بالدستور الإلهي أو لا؟
فإن كان كافياً لوقاية الشريعة وصون كرامتها فلماذا خاف زكريّا من اولئك الامراء ما دامت الألطاف الإلهية قد ضمنت للنبوّة الامتداد في تأريخ الإنسانية الواعية وخلود الاتصال بين الأرض والسماء ما بقيت الأرض أهلًا للتثقيف السماوي؟
وإن لم يكن وجود النبيّ كافياً للحراسة المطلوبة فلا يرتفع الخوف من الحاكمين بوجود ولد لزكريّا يرث عنه النبوّة ما دام النبيّ قاصراً عن مقاومة القوّة الحاكمة وما دام الامراء من الطراز المغشوش، مع أنّ الآية تدلّ على أنّ زكريّا كان يرى أنّ خوفه يرتفع فيما إذا منَّ اللَّه عليه بولد رضيّ يرثه.
ونتيجة هذا البحث: أنّ الإرث في الآية هو إرث المال بلا ريب. وإذن فبعض الأنبياء يورّثون وحديث الخليفة يقضي بأن الجميع لا يورّثون.
فالآية والرواية متعاكستان، وكل ما عارض الكتاب الكريم فهو ساقط.
ولا يجوز أن نستثني زكريّا خاصّةً من سائر الأنبياء؛ لأنّ حديث الخليفة لا يقبل هذا الاستثناء وهذا التفريق بين زكريّا عليه السلام وغيره. والنبوّة إن اقتضت عدم التوريث فالأنبياء كلّهم لا يورّثون. ولا نحتمل أن يكون لنبوّة زكريّا عليه السلام خاصّية جعلته يورّث دون سائر الأنبياء. وما هو ذنب زكريّا عليه السلام؟ أو ما هو فضله الذي يسجّل له هذا الامتياز؟ أضف إلى ذلك أنّ تخصيص كلمة «الأنبياء» الواردة في الحديث والخروج بها عمّا تستحقّه من وضع لا ضرورة له بعد أن كان الحديث كما أوضحناه سابقاً؛ فهو تفسير على كلّ حال، فلماذا نفسّر الحديث بأنّ تركة النبيّ لا تورث لنضطرّ إلى أن نقول بأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يعني بالأنبياء غير زكريّا عليه السلام؟ بل لنأخذ بالتفسير الآخر ونفهم من الحديث أنّ الأنبياء ليس لهم