فإنّه ليس شيئاً مذكوراً بالإضافة إلى النبوّة. ولكي تتّفق معي على هذا لاحظ نفسك فيما إذا سألك سائل بستاناً ودرهماً فأعطيته الأمرين معاً. ثمّ أردت أن تنقل القصّة وتخصّ الدرهم بالذكر، لا أراك تفعل ذلك إلّاإذا كنت كثير التواضع.
ورجحان البستان على الدراهم في حساب القيم المادّية هو دون امتياز النبوّة على طيب الذرّية في موازين المعنويات الروحية. وإذن فقصّة زكريّا التي جاءت في سورة آل عمران، ولم يذكر فيها عن الإرث كثيرٌ أو قليل دليلٌ على أنّ الإرث المذكور في الصورة الاخرى للقصّة بمعنى إرث المال لا إرث النبوّة، وإلّا لكان من أبرز عناصر القصّة التي لا يمكن إغفالها.
السادس: ولاحظ بعض الباحثين[1] في الآية الكريمة نقطتين تفسّران الإرث فيها بإرث النبوّة:
الاولى: قول زكريّا عاطفاً على كلمة «يَرِثُنِي»: «وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»، فإنّ يحيى لا يرث أموال آل يعقوب، وإنّما يرث منهم النبوّة والحكمة.
الثانية: ما قدّمه النبيّ تمهيداً لدعائه من قوله: «وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي»، حيث إنّ خوفه إنّما كان بسبب الإشفاق على معالم الدين، والرغبة في بقائها باستمرار النبوّة؛ لأنّ هذا هو اللائق بمقام الأنبياء دون الحرص على الأموال، والخوف من وصولها إلى بعض الورثة.
واعترض أصحابنا على النقطة الاولى، بأنّ زكريّا عليه السلام لم يسأل ربّه أن يرث ولده أموال آل يعقوب جميعاً، وإنّما أراد أن يرث منها، فلا يكون دليلًا على التفسير المزعوم.
[1] راجع شرح نهج البلاغة 16: 239