رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم جميعاً- ولعلّها عبارة عن الأموال والعقارات الثابتة نحو فدك- فهل يجوز لنا تقدير أنّ غرض الخليفة من الجملة تخصيص الأموال التي لا تورث بها؟ لا أظنّ ذلك، لأنّ أملاك النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لا تختلف في التوريث وعدمه. ونخرج من هذه التأمّلات بنتيجة وهي أنّ المفهوم من الحديث للخليفة أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أخبر عن عدم تملّكه للأموال القائمة، وأشار إليها بوصف التركة فقال: «ما تركناه صدقة»، فشأنه شأن من يجمع ورثته ثمّ يقول لهم: إنّ كل تركتي صدقة؛ يحاول بذلك أن يخبرهم بأ نّها ليست ملكاً له ليرثوها بعده؛ لأنّ ذلك هو المعنى الذي يمكن أن يختصّ بالأموال القائمة ويحدّد موضوعه بها.
الثالث: جواب الخليفة لرسولٍ أرسلته فاطمة ليطالب بما كان لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في المدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، إذ قال له: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا نورّث، ما تركناه صدقة، إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال، وإنّي واللَّه لا اغيّر شيئاً من صدقات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»[1]. فإنّنا إذا افترضنا أنّ معنى الحديث في رأي الخليفة عدم توريث النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لأملاكه، كان كلامه متناقضاً؛ لأنّ استدلاله بالحديث في صدر كلامه يدلّ حينئذٍ على أ نّه يعترف بأنّ ما تطالب به الزهراء هو من تركة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وأملاكه التي مات عنها، ليصحّ انطباق الحديث عليه، والجملة الأخيرة من كلامه وهي قوله: وإنّي واللَّه لا اغيّر شيئاً من صدقات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم تعاكس هذا المعنى؛ لأنّ ما طلبت الزهراء تغييره عن أيام النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم- بزعم الخليفة- هو فدك وعقاراته في المدينة، وما بقي من خمس خيبر. فأبو بكر حين يقول: إنّي واللَّهِ لا اغيّر شيئا
[1] شرح نهج البلاغة 16: 218