الآخرين، بل قد نتبيّن لوناً من الرجحان للمعنى الثاني، وهو أنّ المتروك صدقة لا يورّث، دون سائر التركة إذا تأمّلنا ضمير الجمع في الحديث، وهو النون، وهضمنا دلالته كما يجب؛ لأنّ استعماله في شخصه الكريم خاصّة لا يصحّ إلّاعلى سبيل المجاز، ثمّ هو بعد ذلك بعيد كل البعد عن تواضع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في قوله وفعله. فالظواهر تجمع على أنّ النون قد استعملت في جماعة، وأنّ الحكم الذي تقرّره العبارة ثابت لها وليس مختصّاً بالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، والأوفق باصول التعبير أن تكون الجماعة جماعة المسلمين لا الأنبياء؛ لأنّ الحديث مجرّدٌ عن قرينة تعيّن هؤلاء، ولم يسبق بعهد يدلّ عليهم.
وليس لك أن تعترض بأنّ صيغة الحديث يجوز أ نّها كانت مقترنة حال صدورها من النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بقرينة أو مسبوقة بعهد يدلّ على أنّ مراده من الضمير جماعة الأنبياء؛ لأنّ اللازم أن نعتبر عدم ذكر الخليفة لشيءٍ من ذلك- مع أنّ الراوي لحديث لا بدّ له من نقل سائر ما يتّصل به ممّا يصلح لتفسيره- دليلًا على سقوط هذا الاعتراض. وأضف إلى هذا أنّ إغفال ذلك لم يكن من صالحه، وإذن فليكن الواقع اللفظي للحديث هو الواقع المأثور عن الخليفة بحدوده الخاصّة بلا زيادة ولا نقيصة.
والمفهوم من الضمير حينئذٍ جماعة المسلمين لحضورهم ذاتاً عند صدور العبارة من النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم. وقد جرت عادة المتكلّمين على أ نّهم إذا أوردوا جملة في مجتمع من الناس، وأدرجوا فيها ضمير المتكلّم الموضوع للجماعة أن يريدوا بالضمير الجماعة الحاضرة. فلو أنّ شخصاً من العلماء اجتمع عنده جماعة من أصدقائه، وأخذ يحدّثهم وهو يعبّر بضمير المتكلّم الموضوع للجمع بلا سبق ذكر العلماء، لَفُهِمَ من الضمير أنّ المتكلّم يعني بالجماعة نفسه مع أصدقائه الحاضرين لا معشر العلماء الذين يندرج فيهم، ولو أراد جماعة غير اولئك