الحاضرين لم يكن مبيّناً بل ملغزاً. وتعليقاً على هذا التقدير ماذا تراه يكون هذا الحكم الذي أثبته الحديث للمسلمين- الذين قد عرفنا أنّ الضمير يدلّ عليهم- هل يجوز أن يكون عبارة عن عدم توريث المسلم لتركته؟ أو أنّ الأموال التي عند كل مسلم ليست ملكاً له وإنّما هي من الصدقات؟ كلّا! فإنّ هذا لا يتّفق مع الضروري من تشريع الإسلام؛ لأنّ المسلم في عرف القرآن يملك بألوان متعدّدة من أسباب الملك عند الناس، ويورث ما يتركه من أموال «بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ»[1]. وأنت ترى معي الآن بوضوح أنّ الحكم ليس إلّاأنّ الصدقة لا تورث، فإنّ هذا أمر عامّ لا يختصّ بصدقة دون صدقة بل يطّرد في سائر صدقات المسلمين. ولا غرابة في بيان الحكم بعدم توريث الصدقات في صدر زمان التشريع مع وضوحه الآن؛ لأنّ قواعد الشريعة وأحكامها لم تكن قد تقرّرت واشتهرت بين المسلمين، فكان لاحتمال انفساخ الصدقات والأوقاف بموت المالك ورجوعها إلى الورثة متّسع، ولا يضعضع قيمة هذا التفسير عدم ذكر الزهراء له واعتراضها به على الخليفة:
أمّا أوّلًا: فلأنّ الموقف الحرج الذي وقفته الزهراء في ساعتها الشديدة لم يكن ليتّسع لمثل تلك المناقشات الدقيقة؛ حيث إنّ السلطة الحاكمة التي كانت تريد تنفيذ قراراتها بصورة حاسمة قد سيطرت على الموقف بصرامة وعزم لا يقبلان جدالًا، ولذا نرى الخليفة لا يزيد في جواب استدلال خصمه بآيات ميراث الأنبياء على الدعوى الصارمة إذ يقول: هكذا هو- كما في طبقات ابن سعد[2]– فلم يكن مصير هذه المناقشات لو قدّر لها أن تساهم في الثورة
[1] النساء: 11
[2] طبقات ابن سعد 2: 315