أنّ كلّ شيء يُسند بحسب اصول التعبير إلى المؤثّر الأخير فيه. وفي ضوء هذه القاعدة نعرف أنّ نسبة التوريث إلى شخص تدلّ على أ نّه المؤثّر الأخير في الإرث، وهو الموروث الذي أوجد التركة. فالمفهوم من جملة «أنّ الأنبياء يورّثون» أ نّهم يحصلون على الأموال ويجعلونها تركةً من بعدهم، وإذا نفي التوريث عنهم كان مدلول هذا النفي أ نّهم لا يهيّئون للإرث شرطه الأخير، ولا يسعون وراء الأموال ليتركوها بعد وفاتهم لورثتهم. وإذن فليس معنى: أنّ الأنبياء لا يورّثون، عدم التوريث التشريعي، ونفي الحكم بالإرث؛ لأنّ الحكم بالإرث ليس توريثاً حقيقياً، بل التوريث الحقيقي تهيئة نفس التركة وهذا هو المنفي في الحديث.
وعلى طراز آخر من البيان: أنّ التوريث الذي نفاه خاتم النبيّين عن الأنبياء، إن كان هو التوريث التشريعي كان مفاد النفي إلغاء قانون الإرث من شرائع السماء؛ لأنّ توريثهم التشريعي لا يختصّ بورثتهم حتَّى يكون المنفي توريثهم خاصّة. وإن كان هو التوريث الحقيقي- بمعنى تهيئة الجوّ المناسب للإرث- سقطت العبارة عمّا أراد لها الصدِّيق من معنى وكان معناها أنّ الأنبياء لا تركة لهم لتورث.
5- وفي الرواية الاولى مهّد الخليفة للحديث بقوله: واللَّه ما ورّث أبوكِ ديناراً ولا درهماً[1]، وهذا التعبير واضحٌ كل الوضوح في نفي التركة وعدم ترك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله شيئاً من المال. فإذا صحّ للخليفة أن يستعمل تلك الجملة في هذا المعنى فليصحّ أن تدلَّ صيغة الحديث عليه أيضاً ويكون هو المقصود منها.
6- وإذا لاحظنا الأمثلة التي ذكرت في الرواية الثانية نجد فيها ما يعزّز قيمة
[1] شرح نهج البلاغة 16: 216