سائرالناس بحكم يقضي بعدم جريان أحكام الإرث على تركاتهم. والهدف الأصلي من الكلام بيان جلال الأنبياء. وهذا الاسلوب من البيان ممّا يتّفق مع الأساليب النبوية الرائعة التي تطفح بالمعاني الكبار وتزخر بأسماها في موجاتها اللفظية القصيرة.
4- ولكي تتّفق معي على تفسيرٍ معيّنٍ للحديث يلزم أن نعرف معنى التوريث لنفهم الجملة النافية له كما يلزم. ومعنى التوريث جعل شيءٍ ميراثاً، فالمورِّث مَن يكون سبباً لانتقال المال من الميت إلى قريبه، وهذا الانتقال يتوقّف على أمرين:
أحدهما: وجود التركة.
والآخر: القانون الذي يجعل للوارث حصّة من مال الميت. ويحصل الأوّل بسبب نفس الميت، والثاني بسبب المشرّع الذي وضع قانون الوراثة سواء أكان فرداً أسندت إليه الناس الصلاحيات التشريعية أو هيئة تقوم على ذلك، أو نبيّاً يشرّع بوحي من السماء؛ فكلٌّ من الميّت والمشرّع له نصيب من إيجاد التوارث، ولكن المورّث الحقيقي الذي يستحقّ التعبير عنه بهذا اللفظ بحقّ هو الميّت الذي أوجد مادة الإرث؛ لأنّه هو الذي هيّأ للإرث شرطه الأخير بما خلّفه من ثروة، وأمّا المشرّع فليس مورّثاً من ذلك الطراز لأنّه لم يجعل بوضعهِ للقانون ميراثاً معيّناً بالفعل، بل شرَّع نظاماً يقضي بأنّ الميّت إذا كان قد ملك شيئاً وخلّفه بعد موته فهو لأقاربه. وهذا وحده لا يكفي لإيجاد مال موروث في الخارج، بل يتوقّف على أن يكون الميّت قد أصاب شيئاً من المال وخلّفه بعده.
فالواضع التشريعي نظير مَن يضيف عنصراً خاصّاً إلى طبيعة من الطبائع، فيجعلها قابلة لإحراق ما يلاقيها. فإذا ألقيتَ إليها بورقةٍ فاحترقت كنت أنت الذي أحرقتها لا مَن أضاف ذلك العنصر المحرق إلى الطبيعة. والقاعدة التي تعلّل ذلك: