2- والنقطة المهمّة في هذا البحث هي معرفة ما إذا كانت هذه الصيغ تدلّ بوضوحٍ لا يقبل تشكيكاً ولا تأويلًا- وهو النصّ في العرف العلمي- على أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لا تورث تركته، أو ما إذا كانت تصلح للتعبير بها عن معنىً آخر، وإن كانت للتعبير بها عن الحكم بعدم التوريث أصلح- وهو الظاهر في الاصطلاح- وللمسألة تقدير ثالث وهو أن لا يرجّح المعنى الذي هو في صالح الخليفة على ما قد يؤدّي باللفظ من معان اخر، وهو المجمل.
3- إذا لاحظنا القسم الأوّل من صيغ الحديث وجدنا رواياته تقبل أن تكون بياناً لعدم تشريع توريث الأنبياء كما فهمه الخليفة، ويمكن أن تكون كنايةً عن معنىً لا يبعد أن يقع في نفس رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيانه؛ وهو تعظيم مقام النبوّة وتجليل الأنبياء؛ وليس من مظهر للجلالة الروحية والعظمة الإلهية أجلى دلالةً وأكثر مادّية من الزهد في الدنيا، ولذائذها الزائفة، ومتعها الفانية. فلماذا لا يجوز لنا افتراض أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أراد أن يُشير إلى أن الأنبياء اناس ملائكيّون وبشر من الطراز الأسمى الذي لا تشوبه الأنانيّات الأرضية والأهواء البشرية؟ لأنّ طبيعتهم قد اشتُقّت من عناصر السماء- بمعناها الرمزي- المتدفّقة بالخير لا من مواد هذا العالم الأرضي، فهُم أبداً ودائماً منابع الخير، والطالعون بالنور، والمورّثون للإيمان والحكمة، والمركّزون للسلطان الإلهي في الأرض. وليسوا مصادر للثروة بمعناها المصطلح عليه في عرف الناس، ولا بالساعين وراء نفائسها. ولماذا لا يكون قوله: «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّت ذهباً ولا فضّة ولا أرضاً ولا عقاراً ولا داراً» كنايةً عن هذا المعنى؟ لأنّ توريثهم لهذه الأشياء إنّما يكون بحيازتهم لها، وتركهم إيّاها بعد موتهم وهم منصرفون عنها، لا يحسبون لها حساباً ولا يقيمون لها وزناً ليحصلوا على شيء منها. فما هو تحت اللفظ نفي التوريث لعدم وجود التركة، كما إذا قلنا: إنّ الفقراء لا يورّثون، لا أ نّهم يختصّون عن