ولعلّ أفكارها هذه ساقتها إلى تصوّر أبيها صلى الله عليه و آله و سلم وهو يضمّها إلى صدره الرحيب، ويحوطها بحنانه العبقري، ويطبع على فمها الطاهر قُبلاته التي اعتادتها منه، وكانت غذاءها صباحاً ومساءاً.
ثمّ وصلت إلى حيث بلغت سلسلة الزمن، فيواجهها الواقع العابس، وإذا بالزمان غير الزمان، وها هو بيتها- مشكاة النور، ورمز النبوّة والإشعاعة المتأ لّقة المحلّقة بالسماء- مهدَّد بين الفَينة والفَينة، وها هو ابن عمّها الرجل الثاني في دنيا الإسلام- باب علم النبوّة[1]، ووزيرها المخلص[2]، وهارونها المُرجَى[3]، الذي لم يكن لينفصل ببدايته الطاهرة عن بداية النبوّة المباركة[4]، فهو ناصرها في
[1] ففي الحديث النبويّ المشهور:« أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها». الرياض النضرة 2: 159، وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 64، وصحّحه السيوطي في جمع الجوامع، وأخرجه الترمذي في صحيحه بلفظٍ آخر. وراجع التاج الجامع للُاصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم للشيخ منصور علي ناصف 3: 337، قال: رواه الترمذي والطبراني وصحّحه الحاكم. وفي بعض هذه المصادر:« أنا دار الحكمة …»
[2] إشارة إلى قوله صلى الله عليه و آله و سلم- في حديث الدار أو الإنذار- المشهور:« إنّ هذا- والإشارة إلى عليّ- أخي ووزيري وخليفتي فيكم …». راجع الحديث بكامله في تأريخ الطبري 3: 218- 219، تفسير الخازن 3: 371
[3] ورد في الحديث النبويّ المتواتر:« أمَا ترضى يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّاأ نّه لا نبيّ بعدي» راجع صحيح البخاري 5: 128، وصحيح مسلم 4: 1873، والتاج الجامع للُاصول 3: 333، والصواعق المحرقة: 187
[4] راجع نهج البلاغة( ضبط الدكتور صبحي الصالح): 300- 301 خطبة 192، قال الإمام عليّ عليه السلام:« وقد علمتم موضعي من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وَلَدٌ … ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي وأشمّ رِيحَ النبوّة …»