وكانت حولها نسوة متعدّدات من حفدتها ونساء قومها كالنجوم المتناثرة يلتففن بها بغير انتظام، وهنّ جميعاً سواسية في هذا الاندفاع والالتياع، وقائدتهنّ بينهنّ تستعرض ما ستقدم عليه من وثبةٍ كريمةٍ تهيّئ لها العدّة والذخيرة، وهي كلّما استرسلت فياستعراضها هذا ازدادت رباطة جأشٍ وقوّة جنان، وتضاعفت قوّة الحقّ التي تعمل في نفسها، واشتدّت صلابةً في الحركة، وانبعاثاً نحو الدفاع عن الحقوق المسلوبة، ونشاطاً في الاندفاع، وبسالةً في الموقف الرهيب، كأ نّها قد استعارت في لحظتها هذه قلبَ رَجلها العظيم، لتواجه به ظروفها القاسية وما حاكت لها يد القدر. أستغفر اللَّه، بل ما قدّر لها المقدِّر الحكيم من مأساةٍ مروّعةٍ تهدّ الجبل وتزلزل الصعب الشامخ.
وكانت في لحظتها الرهيبة التي قامت فيها بدور الجنديالمدافع شبحاً قائماً ترتسم عليه سحابة حزن مرير، وهي شاحبة اللون، عابسة الوجه، مفجوعة القلب، كاسفة البال، منهدّة العمد، ضعيفة الجانب، مائعة الجسم، وفي صميم نفسها وعميق فكرها المتأمّلة إشعاعة بهجة، وإثارة طمأنينة، وليس هذا ولا ذاك استعذاباً لأملٍ باسم، أو سكوناً إلى حلمٍ لذيذ، أو استقبالًا لنتيجةٍ حسنةٍ مترقّبة، بل كانت الإشعاعة إشعاعة رضاً بالفكرة، والاستبشار بالثورة، وكانت الطمأنينة ثقةً بنجاح، لا هذا الذي نفيناه، بل على وجهٍ آخر، وإنّ في بعض الفشل الآجل إيجاباً لنجاحٍ عظيم، وكذلك وقع، فقد قامت امّة برمّتها تقدّس هذه الثورة الفائرة، بل تستمدّ منها ثباتها واستبسالها في هذا الثبات.
ودفعتها أفكارها في وقفتها تلك إلى الماضي القريب؛ يوم كانت موجات السعادة تلعب بحياتها السعيدة، ويوم كان نفس أبيها يصعد ونسمه يهبط. وكان بيتها قطب الدولة العتيد ودعامة المجد الراسخة المهيمنة على الزمن الخاشع المطيع.