إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى- إلى أن قال-: فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم»[1].
ولا يمكن أن تكون هذه الأكثرية الجهنّمية التي حدّث عنها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مصدر السلطة في الإسلام؛ لأنّها لا تنشئ بطبيعة الحال إلّاخلافة مطبوعة بطابعها.
وإذا خرجنا بالأكثرية عن حدود المدنيّين الذين عرفنا آنفاً مراكزهم الجهنّمية على الأغلب في الحياة الخالدة، واعتبرنا أكثرية المسلمين عموماً هي المقياس الصحيح، فلابدّ أن نلاحظ أنّ المدينة هل كانت وحدها مسكن المسلمين ليكتمل النصاب المفروض بالأكثرية المدنية، أو أنّ أبا بكر لم يكتفِ بها وإنّما بعث إلى المسلمين المنتشرين في أرجاء المملكة بالخبر ليأخذ آراءهم ويستشيرهم؟! كلّا لم يحدث شيء من ذلك وإنّما فرض حكومته على آفاق المملكة كلّها فرضاً لا يقبل مراجعةً ولا جدالًا حتّى أصبح التردّد في الخضوع لها جريمةً لا تغتفر[2].
وقالوا: إنّ الخلافة تحصل ببيعة بعض المسلمين، ولا ريب أنّ ذلك قد حصل لأبي بكر.
ولكنّ هذا ممّا لا يقرّه المنطق السياسي السليم، لأنّ البعض لا يمكن أن يتحكّم في شؤون الامّة كلّها، ولأنّ حياة الامّة لا يمكن أن تعلّق على خيط ضعيف كهذا الخيط، ويركن في حفظ مقدّساتها ومقامها إلى حكومة أنشأها جماعة من الصحابة لم يزكّهم إجماع شعبي، ولا نصّ مقدّس، بل هم اناس عاديون من الصحابة ونحن نعلم أنّ «وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ»[3] «وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا
[1] صحيح البخاري 8: 86 كتاب الفتن
[2] صحيح البخاري 8: 86 كتاب الفتن
[3] التوبة: 61