صحيح أن يريد بهذه الفتن المشاغبات الامويّة التي قام بها عثمان ومعاوية بعد عقود ثلاثة من ذلك التأريخ تقريباً.
وإذن فتلك الفتن التي عناها النبيّ صلى الله عليه و آله لابدّ أن تكون فتناً حادثة بعده مباشرة، ولابدَّ أيضاً أن تكون أكثر اتصالًا بموتى البقيع لو قدّرت لهم الحياة من فتن الردّة والمتنبّئين.
وهي إذن عين الفتنة التي عنتها الزهراء بقولها: ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين.
وهل من غضاضة بعد أن يصطلح عليها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالفتنة أن تمنح لقب الفتنة الاولى في دنيا الإسلام.
وقد كانت العمليّات السياسية يومئذٍ فتنة من ناحية اخرى؛ لأنّها فرضت خلافة على امّة لم يقتنع بها إلّاالقليل من سوقتها الذين ليس لمثلهم الحقّ في تقرير مصير الحكم في عرف الإسلام ولا في لغة القوانين الدستورية جميعاً.
تلك هي خلافة الصدِّيق رضى الله عنه عندما خرج من السقيفة «وعمر يهرول بين يديه وقد نبر حتّى أزبد شدقاه» وجماعته تحوطه «وهم متّزرون بالازر الصنعانية لا يمرّون بأحد إلّاخبطوه وقدّموه فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى»[1].
ومعنى هذا أنّ الحاكمين زفّوا إلى المسلمين خلافة لم تباركها السماء ولا رضي بها المسلمون. وأنّ الصدِّيق لم يستمدّ سلطانه من نصّ نبوي- بالضرورة- ولم ينعقد الإجماع عليه ما دام سعد لم يبايع إلى أن مات الخليفة، وما دام الهاشميّون لم يبايعوا إلى ستّة أشهر من خلافته، كما في صحيح
[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 219