عمر بأن يستخلف ولا يهمل الامّة وألحّوا عليه في ذلك خوفاً من الفتنة[1] أن يطلبوا نظير هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فهل ترى أ نّهم كانوا حينذاك في غفلة عن أخطار الموقف بالرغم من إنذار النبيّ صلى الله عليه و آله بفتنٍ كقطع الليل المظلم؟! حتّى إذا لحق سيّد البشر بالرفيق الأعلى توهّجت مشاعرهم بالغيرة على الدين، وملأ قلوبهم الخوف من الفتنة والانعكاسات السيّئة. أو تعتقد معي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان قد اختار للسفينة ربّانها الأفضل ولذلك لم يسأله السائلون!!
دع عنك هذا واختلق لهم ما شئت من المعاذير، فإنّ هؤلاء الغيارى على الإسلام لم يكتفوا بترك السؤال، بل منعوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من مقاومة الخطر المرتقب حينما أراد أن يكتب «كتاباً لا يضلّ المسلمون بعده أبداً». والفتنة ضلال، وإذن فلا فتنة بعد ذلك الكتاب أبداً، فهل كانوا يشكّون في صدق النبيّ صلى الله عليه و آله؟! أو يرون أ نّهم أقدر على الاحتياط للإسلام والقضاء على الشغب والهرج من نبيّ الإسلام ورجله الأوّل؟!
وخليقٌ بنا أن نسأل عمّا عناه النبيّ صلى الله عليه و آله بالفتن التي جاء ذكرها في مناجاته لقبور البقيع في اخريات أيامه إذ يقول: ليهنكم ما أصبحتم فيه قد أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم[2].
ولعلّك تقول: إنّها فتن المرتدّين، وهذا تفسير يقبل على فرض واحد وهو:
أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يتخوّف على موتى البقيع من الارتداد، فأمّا إذا لم يكن يخشى عليهم من ذلك- كما هو في الواقع- لأنّهم على الأكثر من المسلمين الصالحين، وفيهم الشهداء فلماذا يهنّئهم على عدم حضور تلك الأيّام؟ ولا يستقيم في منطق
[1] العقد الفريد 4: 260
[2] راجع تأريخ ابن الأثير 2: 318