ننتظر منهم تصريحاً بذلك أو نتوقّع أن يعلنوا عن الخطوط الرئيسية لمنهاجهم ويبرّروا بها موقفهم يوم السقيفة، ومع هذا فلابدّ من مبرّر … ولابدَّ من تفسير …
فقد ظهر في ذلك الموقف تسرّعهم إلى إتمام البيعة لأحدهم وتلهّفهم على المقامات العليا تلهّفاً لم يكن منتظراً بالطبع من صحابة على نمطهم؛ لأنّ المفروض فيهم أ نّهم اناس من نوع أكمل وعقول لا تفكّر إلّافي صالح المبدأ، ولا تعبأ إلّا بالاحتفاظ له بالسيادة العليا. أمّا الملك الشخصي، وامّا اقتناص الكراسي فلا ينبغي أن يكون هو الغاية في حساب تلامذة محمّد صلى الله عليه و آله.
أحسّ الحاكمون بذلك وأدركوا أنّ موقفهم كان شاذّ اًعلى أقلّ تقدير، فأرادوا (رضي اللَّه عنهم) أن يرقّعوا موقفهم بالأهداف السامية والخوف على الإسلام من هبوب فتنة طاغية تُجهز عليه، ونسوا أنّ الرقعة تفضح موضعها وأنَّ الخيوط المقحمة في الثوب تشي بها.
ولذا دوّت الزهراء بكلمتها الخالدة:
زعمتم خوف الفتنة «أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ»[1].
نعم، إنَّها الفتنة، ثمّ هي امّ الفتن بلا ريب.
ما أروعك يا بضعة النبيّ حين تكشفين القناع عن الحقيقة المُرّة، وتتنبئين لُامَّة أبيك بالمستقبل الرهيب الذي تلتمع في افقه سحب حمراء!
ماذا أقول؟ .. بل أنهار من دمٍ تزخر بالجماجم وهي تنعى على سلفها الصالح فعلهم وتقول: ألا إنَّهم في الفتنة سقطوا وإنَّ جهنَّم لمحيطةٌ بالكافرين.
كانت العمليّات السياسية يومئذٍ فتنة وكانت امّ الفتن.
[1] من خطبتها عليها السلام، والآية: 49/ التوبة