وإذن فلماذا وقف مع الثائبين إن كان لم يفرّ؟ ألم يكن القتال واجباً ما دام المدافعون لم يبلغوا العدد المطلوب لمقابلة العدو الذي أصاب النبيّ صلى الله عليه و آله بعدّة إصابات اضطرّته إلى الصلاة جالساً؟!
ولعلّنا نعلم جميعاً أنّ شخصاً إذا كان في وسط الصراع ومعترك الحرب فلن ينجو من الموت على يد عدوّه إلّابالفرار أو الدفاع بالاشتراك عملياً في المعركة.
والصدِّيق إذا لم يكن قد فعل شيئاً من هذين وقد نجا بلا ريب فمعنى هذا أنّ عدوّاً وقف أمام عدوّه مكتّف اليدين فلم يقتله خصمه، فهل أشفق المشركون على أبي بكر ولم يشفقوا على محمّد وعليّ والزبير وأبي دجانة وسهل بن حنيف؟!
وليس لديّ من تفسيرٍ معقولٍ للموقف إلّاأن يكون قد وقف إلى جوار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وكسب بذلك موقفاً هو في طبيعته أبعد نقاط المعركة عن الخطر لاحتفاف العدد المخلص في الجهاد يومئذٍ برسول اللَّه صلى الله عليه و آله. وليس هذا ببعيد؛ لأنّنا عرفنا من ذوق الصدِّيق أ نّه كان يُحبُّ أن يكون إلى جانب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في الحرب؛ لأنَّ مركز النبيّ صلى الله عليه و آله هو المركز المصون الذي تتوفّر جميع القوى الإسلامية على حراسته والذبّ عنه.
وخذ حياة الإمام عليٍّ عليه السلام وحياة الصدِّيق وادرسهما، فهل تجد في حياة الأوّل خموداً في الإخلاص أو ضعفاً في الاندفاع نحو التضحية أو ركوناً إلى الدعة والراحة في ساعة الحرب المقدّسة؟ «فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ»[1] لأنّه سوف يجد روعةً واستماتةً في سبيل اللَّه لا تفوقها استماتة، وشخصاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيه استعداد للخلود ما خلد محمّد استاذه الأكبر لأنّه نفسه صلى الله عليه و آله[2].
[1] الملك: 3 و 4
[2] بنصّ آية المباهلة آل عمران: 61.( المؤلّف قدس سره)