ومنذ نبدأ بالمقارنة بين الحرّية في الإسلام والحرّية في الديمقراطية الرأسمالية تبدو لدينا بوضوحٍ الفروق الجوهرية بين الحرّية التي عاشها المجتمع الرأسمالي ونادت بها الرأسمالية، وبين الحرّية التي حمل لواءها الإسلام وكفلها للمجتمع الذي صنعه وقدَّم فيه تجربته على مسرح التأريخ. فكلّ من الحرّيتين تحمل طابع الحضارة التي تنتمي اليها، وتلتقي مع مفاهيمها عن الكون والحياة، وتعبِّر عن الحالة العقلية والنفسية التي خلقتها تلك الحضارة في التأريخ.
فالحرّية في الحضارة الرأسمالية بدأت شكّاً مريراً طاغياً واستحال هذا الشكّ في امتداده الثوري الى إيمانٍ مذهبيٍّ بالحرّية، وعلى العكس من ذلك الحرّية في الحضارة الإسلامية، فإنّها تعبير عن يقينٍ مركزيٍّ ثابتٍ (الإيمان باللَّه) تستمدّ منه الحرّية ثوريتها، وبقدر ارتكاز هذا اليقين وعمق مدلوله في حياة الإنسان تتضاعف الطاقات الثورية في تلك الحرّية.
والحرّية الرأسمالية ذات مدلولٍ إيجابي، فهي تعتبر أنّ كلَّ إنسانٍ هو الذي يملك بحقٍّ نفسه، ويستطيع أن يتصرّف فيها كما يحلو له، دون أن يخضع في ذلك لأيِّ سلطةٍ خارجية. ولأجل ذلك كانت جميع المؤسّسات الاجتماعية- ذات النفوذ في حياة الإنسان- تستمدّ حقّها المشروع في السيطرة على كلّ فردٍ من الأفراد أنفسهم.
وأمّا الحرّية في الإسلام فهي تحتفظ بالجانب الثوري من الحرّية، وتعمل لتحرير الإنسان من سيطرة الأصنام، كلّ الأصنام التي رزحت الإنسانية في قيودها عبر التأريخ، ولكنّها تقيم عملية التحرير الكبرى هذه على أساس الإيمان بالعبودية المخلصة للَّه، وللَّه وحده. فعبودية الإنسان للَّهفي الإسلام- بدلًا عن امتلاكه لنفسه في الرأسمالية- هي الأداة التي يحطِّم بها الإنسان كل