فلسفةٍ مادّيةٍ معيّنة تتبنّى فهماً خاصّاً للحياة، لا يعترف لها بجميع المثل والقيم المعنوية، ويعلّلها تعليلًا لا موضع فيه لخالقٍ فوق حدود الطبيعة، ولا لجزاءٍ مرتقب وراء حدود الحياة المادية المحدودة.
وهذا على عكس الديمقراطية الرأسمالية فإنّها وإن كانت نظاماً مادياً ولكنّها لم تبنَ على أساسٍ فلسفيٍّ محدّد، فالربط الصحيح بين المسألة الواقعية للحياة والمسألة الاجتماعية آمنت به الشيوعية المادية، ولم تؤمن به الديمقراطية الرأسمالية، أو لم تحاول إيضاحه.
وبهذا كان المذهب الشيوعي حقيقاً بالدرس الفلسفي، وامتحانه عن طريق اختبار الفلسفة التي ركّز عليها وانبثق عنها، فإنّ الحكم على كلّ نظامٍ يتوقّف على مدى نجاح مفاهيمه الفلسفية في تصوير الحياة وإدراكها.
ومن السهل أن ندرك في أول نظرةٍ نلقيها على النظام الشيوعي المخفّف أو الكامل: أنّ طابعه العام هو إفناء الفرد في المجتمع وجعله آلةً مسخَّرةً لتحقيق الموازين العامة التي يفترضها. فهو على النقيض تماماً من النظام الرأسمالي الحرّ الذي يجعل المجتمع للفرد ويسخِّره لمصالحه. فكأ نّه قد قُدِّر للشخصية الفردية والشخصية الاجتماعية- في عرف هذين النظامين- أن تتصادما وتتصارعا، فكانت الشخصية الفردية هي الفائزة في أحد النظامين الذي أقام تشريعه على أساس الفرد ومنافعه الذاتية، فمُنِيَ المجتمع بالمآسي الاقتصادية التي تزعزع كيانه وتشوِّه الحياة في جميع شعبها. وكانت الشخصية الاجتماعية هي الفائزة في النظام الآخر الذي جاء يتدارك أخطاء النظام السابق، فساند المجتمع وحكم على الشخصية الفردية بالاضمحلال والفناء، فاصيب الأفراد بمحنٍ قاسيةٍ قضت على حرّيتهم ووجودهم الخاصّ، وحقوقهم الطبيعية في الاختيار والتفكير.