نفسه- إلّاأن نثير السؤال الأخير في مجال بحث المسألة التي ندرسها (مسألة مدى قدرة الإنسان في حقل التنظيم الاجتماعي، واختيار النظام الأصلح)، وهذا هو السؤال: ما هي قيمة المعرفة العلمية في تنظيم حياة الجماعة وإرساء الحياة الاجتماعية والنظام الاجتماعي على أساسٍ علميٍّ من التجارب الطبيعية، التي تملك من الدقّة ما تتّسم به التجارب في مجال الفيزياء والكيمياء، ونتخلّص بذلك من نقاط الضعف التي درسناها في طبيعة التجربة الاجتماعية.
وبكلمةٍ اخرى: هل في الإمكان الاستغناء- لدى تنظيم الحياة الاجتماعية والتعرّف على النظام الأصلح- عن دراسة تاريخ البشرية والتجارب التي مارستها المجتمعات الإنسانية عبر الزمن، والتي لا نملك تجاهها سوى الملاحظة عن بعد، ومن وراء ستائر الزمن التي تفصلنا عنها، هل في الإمكان الاستغناء عن ذلك كلّه بإقامة حياتنا الاجتماعية في ضوء تجارب علميةٍ نعيشها ونمارسها بأنفسنا على هذا أو ذاك من الأفراد؛ حتّى‏ نصل الى معرفة النظام الأصلح؟
وقد يتّجه بعض المتفائلين الى الجواب على هذا السؤال بالإيجاب؛ نظراً الى ما يتمتّع به إنسان الغرب اليوم من إمكاناتٍ علميةٍ هائلة، أوَليس النظام الاجتماعي هو النظام الذي يكفل إشباع حاجات الإنسانية بأفضل طريقةٍ ممكنة؟! أوَليست حاجات الإنسان أشياء واقعيةً قابلةً للقياس العلمي والتجربة كسائر ظواهر الكون؟! أوَليست أساليب إشباع هذه الحاجات تعني أعمالًا محدودةً يمكن للمنطق العلمي أن يقيسها ويخضعها للتجربة، ويدرس مدى تأثيرها في إشباع الحاجات وما ينجم عنها من آثار؟! فلماذا لا يمكن إرساء النظام الاجتماعي على أساسٍ من هذه التجارب؟ لماذا لا يمكن أن نكتشف بالتجربة على شخصٍ أو عدّة أشخاصٍ مجموع العوامل الطبيعية والفسيولوجية والسيكولوجية التي تلعب دوراً في تنشيط المواهب الفكرية وتنمية الذكاء، حتى‏