الإنسانية إذا لم تلتقِ بمصلحته الخاصّة؟ ومَن الذي يكفل سعيَه في سبيل تطبيق ذلك النظام الأصلح للإنسانية اذا تعارض مع مصالحه الخاصّة؟
فهل يكفي- مثلًا- إيمان الرأسماليّين بأنّ النظام الاشتراكي أصلح سبباً لتطبيقهم للاشتراكية ورضاهم عنها بالرغم من تناقضها مع مصالحهم؟
أو هل يكفي إيمان الإنسان المعاصر (إنسان الحضارة الغربية)- في ضوء تجاربه التي عاشها- بالخطر الكامن في نظام العلاقات بين الرجل والمرأة القائم على أساس الخلاعة والإباحية؟ هل يكفي إيمانه بما تشتمل عليه هذه العلاقات من خطر الميوعة والذوبان على مستقبل الإنسان وغده لاندفاعه الى تطوير تلك العلاقات بالشكل الذي يضمن للإنسانية مستقبلها ويحميها من الذوبان الجنسي والشهوي، ما دام لا يشعر بخطرٍ معاصرٍ على واقعه الذي يعيشه، وما دامت تلك العلاقات توفِّر له كثيراً من ألوان المتعة واللذّة؟
نحن إذن وفي هذا الضوء نشعر بحاجةٍ لا الى اكتشاف النظام الأصلح لمجموع الإنسانية فحسب، بل الى دافع يجعلنا نعني بمصالح الإنسانية ككلٍّ، ونسعى الى تحقيقها وان اختلفت مع مصالح الجزء الذي نمثّله من ذلك الكلّ.
رابعاً: أنّ النظام الذي يُنشِؤه الإنسان الاجتماعي ويؤمن بصلاحه وكفاءته لا يمكن أن يكون جديراً بتربية هذا الإنسان وتصعيده في المجال الإنساني الى آفاقٍ أرحب؛ لأنّ النظام الذي يصنعه الإنسان الاجتماعي يعكس دائماً واقع الإنسان الذي صنعه، ودرجته الروحية والنفسية.
فاذا كان المجتمع يتمتّع بدرجةٍ منخفضةٍ من قوة الإرادة وصلابتها- مثلًا- لم يكن ميسوراً له أن يربّي إرادته وينمّيها بإيجاد نظامٍ اجتماعيٍّ صارمٍ يغذّي الإرادة ويزيد من صلابتها؛ لأنّه ما دام لا يملك إرادةً صلبة، فهو لا يملك القدرة على إيجاد هذا النظام ووضعه موضع التنفيذ، وإنّما يضع النظام الذي يعكس‏