جوابه على سؤال: ما هو النظام الأصلح؟ كما أتاحت له تجارب الطبيعة أن يجيب عن الأسئلة الاخرى العديدة التي اكتنفت حياته منذ البداية.
ولكنّنا يجب أن نفرِّق- إذا أردنا أن ندرس المسألة على مستوىً أعمق- بين التجارب الاجتماعية التي يكوِّن الإنسان خلالها إدراكه للنظام الأصلح، وبين التجارب الطبيعية التي يكتسب الإنسان خلالها معرفته بأسرار الطبيعة وقوانينها وطريقة الاستفادة منها: كأنجح دواء، أو أسرع واسطةٍ للسفر، أو أفضل طريقةٍ للحياكة، أو أسهل وسيلةٍ لاستخراج النفط، أو أنجع طريقةٍ لفلق الذرّة مثلًا؛ فإنّ التجارب الاجتماعية- أي تجارب الإنسان الاجتماعي للأنظمة الاجتماعية المختلفة- لا تصل في عطائها الفكري الى درجة التجارب الطبيعية، وهي تجارب الإنسان لظواهر الطبيعة؛ لأنّها تختلف عنها في عدّة نقاط. وهذا الاختلاف يؤدّي الى تفاوت قدرة الإنسان على الاستفادة من التجارب الطبيعية والاجتماعية.
فبينما يستطيع الإنسان أن يدرك أسرار الظواهر الطبيعية، ويرتقي في إدراكه هذا الى ذروة الكمال على مرّ الزمن بفضل التجارب الطبيعية والعلمية، لا يسير في مجال إدراكه الاجتماعي للنظام الأصلح إلّاسيراً بطيئاً، ولا يتأتّى‏ له بشكلٍ قاطعٍ أن يبلغ الكمال في إدراكه الاجتماعي هذا مهما توافرت تجاربه الاجتماعية وتكاثرت.
ويجب علينا- لمعرفة هذا- أن ندرس تلك الفروق المهمّة بين طبيعة التجربة الاجتماعية والتجربة الطبيعية لنصل الى الحقيقة التي قرّرناها، وهي: أنّ التجربة الطبيعية قد تكون قادرةً على منح الإنسان عبر الزمن فكرةً كاملةً عن الطبيعة، يستخدمها في سبيل الاستفادة من ظواهر الطبيعة وقوانينها. وأمّا التجربة الاجتماعية فهي لا تستطيع أن تضمن للإنسان إيجاد هذه الفكرة الكاملة عن المسألة الاجتماعية.