للُاجور مثالَين على ذلك.
فالقانون الأول يمثّل البحث العلمي في الإنتاج. والقانون الثاني يمثّل البحث العلمي في التوزيع.
ونحن اذا لاحظنا قانون الغلّة المتناقصة نجد أ نّه يشتمل على حقيقةٍ عن الإنتاج الزراعي تصدق على الأرض في كلِّ مجتمعٍ بشريٍّ مهما كان نوع المذهب الاقتصادي الذي يتبنّاه. فالأرض في المجتمع الرأسمالي تتناقص غلّتها وفقاً لذلك القانون، كما تتناقص في المجتمع الاشتراكي أو الاسلامي. وهذا يعني أنّ قانون الغلّة المتناقصة ليس متوقّفاً على وضعٍ مذهبيٍّ معيّن، بل يعبِّر عن حقيقةٍ علميةٍ مطلقة.
وأمّا القانون الحديدي للُاجور الذي مرّ شرحه في المثال الثاني فهو يكتشف- كما رأينا- المستوى الثابت لُاجور العمّال في مجتمعٍ تسوده الحرّية الاقتصادية، ويقرّر أنّ المجتمع الذي تسوده الحرّية تظلّ فيه اجور العمّال على مستوى الكفاءة، واذا ارتفعت أو انخفضت لسببٍ طارئٍ عادت مرّةً اخرى وبصورةٍ طبيعيةٍ الى ذلك المستوى.
وهذا القانون علميّ بطبيعته ومضمونه وهدفه؛ لأنّه يحاول اكتشاف الواقع والتعرّف على حركة الاجور واتّجاهها كما يحدث في المجتمع. ولكنّه يقرِّر في نفس الوقت أنّ هذه الحقيقة التي يتحدّث عنها إنّما تصدق على مجتمعٍ تسوده الحرّية الاقتصادية الرأسمالية، ولا تنطبق على مجتمعٍ موجّهٍ اقتصادياً تفرض الدولة فيه تحديداً عالياً للُاجور.
فالحرّية الرأسمالية شرط لصدق القانون العلمي عن الاجور، أو هي الإطار العام الذي يتحقّق القانون الحديدي ضمنه. وهذا معنى أنّ القانون مضمونه علمي، وإطاره العام- شرط صدقه- مذهبي.