بعد ذلك في كل حين، ومن الطبيعي حينئذٍ أن يسارعوا إلى الإجهاز على كلتا قوّتيه المادّية والمعنوية ما دامت الهدنة قائمة قبل أن يسبقهم إلى حرب أكول.
ومن المعقول بعد هذا أن يقف الخليفة موقفه التاريخي المعروف من الزهراء في قضية فدك، فهو موقف تلاقى فيه الغرضان وتركّز على الخطّين الأساسيّين لسياسته؛ لأنّ الدواعي التي بعثته إلى انتزاع فدك كانت تدعوه إلى الاستمرار على تلك الخطّة ليسلب بذلك من خصمه الثروة التي كانت سلاحاً قويّاً في عرف الحاكمين يومذاك، ويعزّز بها سلطانه، وإلّا فما الذي كان يمنعه عن تسليم فدك للزهراء بعد أن أعطته الوعد القاطع بأن تصرف منتوجاتها في سبيل الخير ووجوه المصلحة العامة؟![1] إلّاأ نّه خاف منها أن تفسّر وعدها بما يتّفق مع صرفها لغلّات فدك في المجالات السياسية. وما الذي صدّه عن إرضاء فاطمة بالتنازل لها عن حصّته ونصيب الصحابة إذا صحّ أنّ فدك مُلك للمسلمين سوى أ نّه أراد أن يقوّي بها خلافته؟
وأيضاً فإنّنا إذا عرفنا أنّ الزهراء كانت سنداً قويّاً لقرينها في دعوته إلى نفسه، ودليلًا يحتجّ به أنصار الإمام على أحقيّته بالأمر، نستوضح أنّ الخليفة كان موفّقاً كلّ التوفيق في موقفه تجاه دعوى الزهراء للنِحلة، وجارياً على المنهج السياسي الذي كان يفرضه عليه الظرف الدقيق؛ إذ اغتنم الفرصة المناسبة لإفهام المسلمين بصورة لبقة، وعلى اسلوب غير مباشر بأنّ فاطمة امرأة من النساء ولا يصحّ أن تؤخذ آراؤها ودعاويها دليلًا في مسألة بسيطة كفدك فضلًا عن موضوع كالخلافة، وأ نّها إذا كانت تطلب أرضاً ليس لها بحقّ فمن الممكن أن
[1] شرح نهج البلاغة 16: 216