ولكن هل لي أن الاحظ في ضوء ذلك التقدير التاريخي أنّ الخليفة لم يكن زاهداً في الحكم كما صوّره كثيرٌ من الباحثين، بل قد نجد في نفس المداورة التي قام بها الخليفة في السقيفة دليلًا على تطلّعه للأمر، فإنّه بعد أن أعلن الشروط الأساسية للخليفة شاء أن يحصر المسألة فيه فتوصّل إلى ذلك بأن ردّد الأمر بين صاحبيه[1] اللذين لن يتقدّما عليه، وكانت النتيجة الطبيعية لهذا الترديد أن يتعيّن وحده للأمر.
فهذا الإسراع الملحوظ من الخليفة إلى تطبيق تلك الصورة التي قدّمها للخليفة الشرعي في رأيه على صاحبيه خاصّة الذي لم يكن يؤدّي إلّاإليه، كان معناه أ نّه أراد أن يسلب الخلافة من الأنصار، ويقرّها في شخصه في آنٍ واحد، ولذا لم يُبدِ تردّداً أو ما يشبه التردّد لمّا عرض الأمر عليه صاحباه. وعمر نفسه يشهد لأبي بكر بأ نّه كان مداوراً سياسياً بارعاً في يوم السقيفة في حديثٍ طويل له يصفه فيه بأ نّه أحسد قريش[2].
ونجد فيما يروى عن الخليفتين في أيام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ما يدلّ على هوىً سياسي في نفسيّتهما، وأ نّهما كانا يفكّران في شيء على أقلّ تقدير. فقد ورد في طرق العامّة أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله»، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال عمر:
أنا هو يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكن خاصف النعل، يعني عليّاً»[3].
والمقاتلة على التأويل إنّما تكون بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، والمقاتل لا بد
[1] راجع تأريخ الطبري 2: 233
[2] شرح نهج البلاغة 2: 31- 34
[3] الصواعق المحرقة: 123