أخذنا بالمعنى المفهوم للناس من الكلمة واعتبرنا النبوّة منصباً إلهيّاً مجعولًا لا كمنصب الملك والوزير، ويكون ذلك التكامل النفسي شرطاً له؛ فالمفهوم الأوّل يمتنع انتقاله بالضرورة؛ لأنّه نفس وجود النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وكمالاته الذاتية، والنبوّة بالمعنى الآخر يستحيل انتقالها أيضاً؛ لأنّها حينئذٍ أمر اعتباري متشخّص الأطراف ولا يعقل تبدّل طرف من أطرافه إلّابتبدّل نفسه وانقلابه إلى فرد آخر.
فنبوّة زكريّا مثلًا هي هذه التي اختُصّ بها زكريّا ولن يعقل ثبوتها لشخص آخر؛ لأ نّها لا تكون حينئذٍ تلك النبوّة الثابتة لزكريّا بل منصباً جديداً أو مقاماً نبويّاً حادثاً.
والنظر الأوّلي في المسألة يقضي بامتناع انتقال العلم والنبوّة من دون حاجة إلى هذا التعمّق والتوسّع. وإذن فالنتيجة التي يقرّرها العقل في شوطه الفكري القصير- الذي لا يعسر على الخليفة مسايرته فيه- هي: أنّ المال وحده الذي ينتقل دون العلم والنبوّة.
3- وقد يعترض على تفسير الإرث في كلام زكريّا بإرث المال بأنّ يحيى عليه السلام لم يرث مال أبيه؛ لاستشهاده في حياته، فيلزم تفسير الكلمة بإرث النبوّة؛ لأنّ يحيى قد حصل عليها ويكون دعاء النبيّ حينئذٍ قد استجيب.
ولكن هذا الاعتراض لا يختصّ بتفسير دون تفسير؛ لأنّ يحيى عليه السلام كما أ نّه لم يرث مال أبيه كذلك لم يخلفه في نبوّته. وما ثبت له من النبوّة لم يكن وراثياً وليس هو مطلوب زكريّا، وإنّما سأل زكريّا ربّه وارثاً يرثه بعد موته، ولذا قال:
«وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي»[1] أي بعد موتي، فإنّ كلامه يدلّ بوضوح على أ نّه أراد وارثاً يخلفه ولم يرد نبيّاً يعاصره، وإلّا لكان خوفه من الموالي بعد وفاته
[1] مريم: 6