الموروث إلى الوارث، وأمّا العلم والنبوّة فلا ينتقلان انتقالًا حقيقياً، وامتناع انتقال العلم على نظرية اتّحاد العاقل والمعقول[1] واضح كلّ الوضوح. وأمّا إذا اعترفنا بالمغايرة الوجودية بينهما، فلا ريب في تجرّد الصور العلمية[2] وأ نّها قائمة بالنفس قياماً صدوريّاً[3]؛ بمعنى أ نّها معلولة للنفس والمعلول الواحد بحسب الذات
[1] وتقوم الفكرة في هذه النظرية على أنّ الصور المعقولة- وهي عبارة عن وجود مجرّد عن المادّة- لا قوام لها إلّابكونها معقولة. فالمعقولية نفس هويّتها، وتجريدها عن العاقل تجريد لها عن نحو وجودها الخاص. وهذا آية الوحدة الوجودية. وإذن فتدرّج النفس في مراتب العلم هو تدرّجها في أطوار الوجود، وكلّما صار الوجود النفسي مصداقاً لمفهوم عقلي جديد زاد في تكامله الجوهري وأصبح من طراز أرفع، ولا مانع مطلقاً من اتّحاد مفاهيم متعدّدة في الوجود كما يتّحد الجنس والفصل، وليس ذلك كالوحدة الوجودية لوجودين أو الوحدة المفهومية لمفهومين، فإنّ هاتين الوحدتين مستحيلتان في حساب العقل دون ذاك الاتّحاد. والتوسّع لا مجال له.( المؤلّف قدس سره)
[2] فإنّ الحقّ تجرّد جميع مراتب العلم والصور المدركة، ولكن على تفاوت في مراتب التجريد، فإنّ المدرك بالذات لا يمكن أن يكون نفس الشيء بهويّته المادّية، فحتى المُدرك بحاسّة البَصَر له نحو من التجرّد وليس في نوريّة خروج الشعاع أو الانطباع. وما ثبت حول الرؤية في علم المرايا أو بحوث الفيزياء ما يفسّر الإدراك البصري تفسيراً فلسفياً، فلا بدّ من الاعتراف بتجرّده فضلًا عن الخيال والعقل. وقد أوضحنا هذا المذهب في كتابنا العقيدة الإلهيّة في الإسلام.( المؤلّف قدس سره)
[3] لا قياماً حلولياً بمعنى كونها أعراضاً لها، وإنّما ذهب هذا المذهب بعض الفلاسفة لحلّ المشكلة التي اعترضت الباحثين عندما أرادوا أن يوفّقوا بين أدلّة الوجود الذهني وبين ما اشتهر من كون العلم كيفاً، وهي أنّ الصورة المعقولة إذا كانت كيفاً فما نتعقّله من الإنسان ليس جوهراً؛ لأنّه كَيفٌ، وليس إنساناً إذن، لأنّ كلّ إنسان جوهر، وإنّما هو مثال.– ولمّا أفلست جميع الحلول التي وُضعت لحلّ الشبهة من إنكار الوجود الذهني وتقرير مذهب المثالية واختيار التعدّد وكون العلم عَرضاً والمعلوم جوهراً وتفسير الجوهر بأ نّه الموجود المستقلّ خارجاً لا ذهناً والانقلاب اضطرّ الباحثون المتأخّرون إلى تقرير أنّ الصورة المعقولة من الجوهر جوهر لا كيف، غير أنّ الفيلسوف الإسلامي الكبير صدر الدين الشيرازي اختار في الأسفار( الأسفار الأربعة 1: 277- 279) أ نّها جوهر بحسب ماهيّتها وكَيفٌ بالعرض. ويمكن الاعتراض عليه بأنّ كل ما بالعرض لا بدّ أن ينتهي إلى ما بالذات، وإذن فلا بدّ أن نفترض كيفاً حقيقيّاً متّحداً مع الصورة لتكون كيفاً بالعرض. وتنتهي النظرية حينئذٍ بصاحبها إلى أحد أمرين إمّا الالتزام بتعدّد ما في النفس أو الاصطدام بالمشكلة الاولى نفسها ولذا كان الأفضل تقرير انّ الصورة المدركة من الإنسان مثلًا جوهر وليست بعرض إطلاقاً، وارتباطها بالنفس ارتباط المعلول بالعلّة لا العرض بموضوعه.( المؤلّف قدس سره)