هذا المال لم يكن للنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وإنّما كان مالًا من أموال المسلمين يحمل النبيّ به الرجال وينفقه في سبيل اللَّه، فلمّا توفّي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وليته كما كان يليه[1]. فإنّ هذا الكلام يدلّ بوضوح على أ نّه كان يناقش في أمر آخر غير توريث الأنبياء.
الثاني: قوله لفاطمة في محاورةٍ اخرى: أبوكِ واللَّهِ خير منّي، وأنتِ واللَّه خير من بناتي، وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: لا نورّث، ما تركناه صدقة[2]. يعني هذه الأموال القائمة، وهذه الجملة التفسيرية التي ألحقها الخليفة بالحديث تحتاج إلى عناية، فإنّها تفيدنا أنّ الخليفة كان يرى أنّ الحكم الذي تدلّ عليه عبارة الحديث مختصّ بالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وليس ثابتاً لتركة سائر الأنبياء ولا لتركة سائر المسلمين جميعاً، فحدّد التركة التي لا تورّث بالأموال القائمة، وذكر أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يعنيها هي بالحديث. وعلى هذا التحديد نفهم أنّ المفهوم للخليفة من الحديث ليس هو عدم توريث الصدقات؛ لأنّ هذا الحكم عامّ، ولا اختصاص له بالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، فلا يجوز أن يحدّد موضوعه بالأموال القائمة بل كان اللازم حينئذٍ أن يأتي الخليفة بجملة تطبيقيّة بأن يقول: إنّ الأموال القائمة ممّا ينطبق عليها الحديث.
كما يتّضح لدينا أنّ الخليفة لم يكن يفسّر الحديث بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لا تورث تركته وأملاكه التي يخلّفها، بل تصبح صدقة بعد موته؛ لأنّه لو كان يذهب هذا المذهب في فهم الحديث لجاء التفسير في كلامه على اسلوب آخر؛ لأنّ المقصود من موضوع الحديث حينئذٍ تركة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم على الإطلاق ولا يعني الأموال القائمة التي كانت تطالب بها الزهراء خاصّة. وأعني بذلك أنّ هذه الأموال الخاصّة
[1] شرح نهج البلاغة 16: 214
[2] المصدر السابق