ملحوظ في تحقّق ذلك الشيء الموجود. والأنبياء وإن حازوا شيئاً من العقارات والدور ولكن ذلك لم يكن بسعي منهم وراء المال كما هو شأن الناس جميعاً. وقرّر علاوة على هذا أنّ المقصود من الكلام ليس هو بيان أنّ الأنبياء لا يورّثون ولا يتركون مالًا، بل ما يدلّ عليه ذلك من مقامهم وامتيازهم. وما دامت الجملة كذلك ولم يكن الهدف الحقيقي منها بيان معناها الحرفي فلا يمنع حيازة الأنبياء لبعض تلك الأموال عن صواب التفسير الذي قدّمناه، كما أنّ من كنّى قديماً عن الكريم بأ نّه كثير الرماد لم يكن كاذباً سواءٌ أكان في بيت الكريم رماد، أو لا؛ لأنّه لم يرد نعته بهذا الوصف حقّاً وإنّما أشار به إلى كرمه، لأنّ أظهر لوازم الكرم يومذاك كثرة المطابخ الموجبة لكثرة الرماد. وعدم التوريث من أوضح آثار الزهد والورع، فيجوز أن يكون رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قد أشار إلى ورع الأنبياء بقوله: إنّ الأنبياء لا يورّثون.
10- ولأجل أن نتبيّن معنى القسم الثاني من صيغ الحديث يلزمنا أن نميّز بين معانٍ ثلاثة:
الأوّل: أنّ تركة الميّت لا تورّث، ومعنى هذا إنّ ما كان يملكه إلى حين وفاته، وتركه بعده لا ينتقل إلى آلِه بل يصبح صدقةً حين موته.
الثاني: أن ما تصدّق به الميّت في حياته، أو أوقفهُ على جهات معيّنة لا يورث بل يبقى صدقةً ووقفاً، والورثة إنّما يورّثون غير الصدقات من الأموال التي كان يملكها الميّت إلى حين وفاته.
الثالث: أنّ الشخص ليس لديه أموال مملوكة له لتورث، وكلّ ما سوف يتركه من أموال إنّما هو من الصدقات والأوقاف.
ومتى عرفنا الفارق بين هذه المعاني يظهر أنّ صيغة الحديث ليست واضحة كلّ الوضوح ولا غنيّة عن البحث والتمحيص، بل في طاقتها التعبيرية إمكانيّات