[تمهيد:]
وقَفَتْ لا يخالجها شكّ فيما تُقدِم عليه، ولا يطفح عليها موقفها الرهيب بصبابةٍ من خوفٍ أو ذعر، ولا يمرّ على خيالها الذي كان جدّياً كلّ الجدّ تردّدٌ في تصميمها، ولا تساورها هاجسة من هواجس القلق والارتباك، وها هي الآن في أعلى القمّة من استعدادها النبيل، وثباتها الشجاع على خطّتها الطموح واسلوبها الدفاعي، فقد كانت بين بابين لا يتّسعان لتردّدٍ طويل ودرسٍ عريض، فلا بدّ لها من اختيار أحدهما، وقد اختارت الطريق المتعِب من الطريقين، الذي يشقّ سلوكه على المرأة بطبيعتها الضعيفة؛ لما يكتنفه من شدائد ومصاعب تتطلّب جرأةً أدبيّة، ومَلَكةً بيانيةً مؤثّرة، وقدرةً على صبّ معاني الثورة كلّها في كلماتٍ، وبراعةً فنيّةً في تصوير النقمة ونقد الأوضاع القائمة تصويراً ونقداً يجعلان في الألفاظ معنىً من حياة وحظّاً من خلود، لتكون الحروف جنود الثورة الخيّرة، وسندها الخالد في تأريخ العقيدة، ولكنّه الإيمان والاستبسال في سبيل الحقّ الذي يبعث في النفوس الضعيفة نقائضها، ويفجّر في الطبائع المخذولة قوّةً لا تتعرّض لضعفٍ ولا تردّد.
ولذا كان اختيار الثائرة لهذا الطريق ممّا يوافق طبعها، ويلتئم مع شخصيّتها المركّزة على الانتصار للحقّ والاندفاع في سبيله.