إلى حدٍّ بعيد؛ فإنَّه لا يسكت عن هذا اللون من المعارضة الخطرة. فمجاهرة علىٍّ بالنصّ كانت تجرّه إلى المقابلة العملية، وقد عرفنا سابقاً أ نّه لم يكن مستعدّاً لإعلان الثورة على الوضع القائم والاشتراك مع السلطات المهيمنة في قتال.
ولم يكن للاحتجاج بالنصّ أثر واضح من أن تتّخذ السياسة الحاكمة احتياطاتها وأساليبها الدقيقة لمحو تلك الأحاديث النبويّة من الذهنيّة الإسلامية؛ لأ نّها تعرف حينئذٍ أنّ فيها قوّة خطرٍ على الخلافة القائمة ومادّةً خصبةً لثورة المعارضين في كلِّ حين.
وإنّي أعتقد أنّ عمر لو التفت إلى ما تنبّه إليه الامويّون بعد أن احتجّ الإمام بالنصوص في أيّام خلافته، واشتهرت بين شيعته من خطرها لاستطاع أن يقطعها من اصولها، ويقوم بما لم يقدر الامويّون عليه من إطفاء نورها، وكان اعتراض الإمام بالنصّ في تلك الساعة ينبّهه إلى ما يجب أن ينتهجه من اسلوب، فأشفق على النصوص المقدّسة أن تلعب بها السياسة وسكت عنها على مضض، واستغفل بذلك خصومه، حتّى أنّ عمر رضى الله عنه نفسه صرّح: بأنّ عليّاً هو وليّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ بنصّ النبيّ[1].
ثمّ ألم يكن من المعقول أن يخشى الإمام على كرامة حبيبه وأخيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن تنتقض وهي أغلى عنده من كلِّ نفيس- إذا جاهر بنصوص النبيّ صلى الله عليه و آله- وهو لم ينسَ موقف الفاروق من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حين طلب دواةً ليكتب كتاباً لا يضلّ الناس بعده أبداً، فقال عمر: إنّ النبيّ ليهجر، أو قد غلب عليه
[1] ذخائر العقبى: 67، والحديث يدلّنا على أنّ الفاروق كان يميل أحياناً إلى تغيير الطريقة التي سار عليها الحزب في بداية الأمر مع الهاشميّين، غير أنّ الطابع السياسي الأوّل غلب عليه أخيراً.( المؤلّف قدس سره)