إذن القانون الموضوع بنهج القضية الشرطية موجّه عملي للإنسان في حياته. ومن هنا تتجلّى حكمة اللَّه سبحانه وتعالى في صياغة نظام الكون على مستوى القوانين وعلى مستوى الروابط المطّردة والسنن الثابتة؛ لأنّ صياغة الكون ضمن روابط مطّردة وعلاقات ثابتة هو الذي يجعل الإنسان يتعرّف على موضع قدميه، وعلى الوسائل التي يجب أن يسلكها في سبيل تكييف بيئته وحياته والوصول إلى إشباع حاجته. لو أنّ الغليان في الماء كان يحدث صدفة ومن دون رابطة قانونية مطّردة مع حادثة اخرى كالحرارة، إذن لما استطاع الإنسان أن يتحكم في هذه الظاهرة، أن يخلق هذه الظاهرة متى ما كانت حياته بحاجة إليها، وأن يتفاداها متى ما كانت حياته بحاجة إلى تفاديها، إنّما كان له هذه القدرة باعتبار أنّ هذه الظاهرة وضعت في موضع ثابت من سنن الكون وطرح على الإنسان القانون الطبيعي بلغة القضية الشرطية، فأصبح ينظر في نور لا في ظلام، ويستطيع في ضوء هذا القانون الطبيعي أن يتصرّف.
نفس الشيء نجده في الشكل الأول من السنن التاريخية القرآنية، فإن عدداً كبيراً من السنن التاريخية في القرآن قد تمّت صياغته على شكل القضية الشرطية التي تربط ما بين حادثتين اجتماعيتين أو تاريخيتين، فهي لا تتحدّث عن الحادثة الاولى أ نّها متى توجد ومتى لا توجد، لكن تتحدّث عن الحادثة الثانية، بأ نّه متى ما وجدت الحادثة الأولى وجدت الحادثة الثانية. قرأنا فيما سبق استعراضاً للآيات الكريمة التي تدلّ على سنن التاريخ في القرآن، جملة من تلك الآيات الكريمة مفادها هو السنة التاريخية بلغة القضية الشرطية. تتذكرون ما قرأناه سابقاً: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ»[1]، هذه السنة
[1] الرعد: 11