مختلف الساحات الاخرى.
فمثلًا: حينما نتحدّث عن قانون طبيعي لغليان الماء، نتحدّث بلغة القضية الشرطية، نقول بأنّ الماء إذا تعرّض إلى الحرارة وبلغت الحرارة درجة معينة، مئة مثلًا في مستوى معين من الضغط، حينئذٍ سوف يحدث الغليان. هذا قانون طبيعي يربط بين الشرط والجزاء ويؤكد أنّ حالة التعرض إلى الحرارة ضمن مواصفات معينة تذكر في طرف الشرط، تستتبع حادثة طبيعية معينة وهي غليان هذا الماء، تحوّل هذا الماء من سائل إلى غاز. هذا القانون مصاغ على نهج القضية الشرطية.
ومن الواضح أنّ هذا القانون الطبيعي لا ينبّئنا شيئاً عن تحقّق الشرط وعدم تحقّقه، لا ينبّئنا هذا القانون الطبيعي عن أنّ الماء هل سوف يتعرض للحرارة أو لا يتعرض للحرارة؟ هل أنّ حرارة الماء ترتفع إلى الدرجة المطلوبة ضمن هذا القانون أو لا ترتفع؟ هذا القانون لا يتعرض إلى مدى وجود الشرط وعدم وجوده، ولا ينبئنا بشيء عن تحقق الشرط إيجاباً أو سلباً، وإنّما ينبّئنا عن أنّ الجزاء لا ينفك عن الشرط، متى ما وجد الشرط وجد الجزاء. فالغليان نتيجة مرتبطة موضوعياً بالشرط. هذا هو تمام ما ينبّئنا عنه هذا القانون المصاغ بلغة القضية الشرطية.
ومثل هذه القوانين تقدّم خدمة كبيرة للإنسان في حياته الاعتيادية وتلعب دوراً عظيماً في توجيه الإنسان؛ لأنّ الإنسان ضمن تعرّفه على هذه القوانين يصبح بإمكانه أن يتصرّف بالنسبة إلى الجزاء، ففي كل حالة يرى أ نّه بحاجة إلى الجزاء يُعمِل هذا القانون، يُوفّر شروط هذا القانون، ففي كل حالة يكون الجزاء متعارضاً مع مصالحه ومشاعره يحاول الحيلولة دون توفّر شروط هذا القانون.
متى ما كان غليان الماء مقصوداً للإنسان يطبّق شروط هذا القانون، ومتى ما لم يكن مقصوداً للإنسان يحاول أن لا تتطبّق شروط هذا القانون.