المتقدمة-: هي حقيقة اختيار الإنسان وإرادة الإنسان، وهذه الحقيقة التأكيد عليها في مجال استعراض سنن التاريخ مهم جداً؛ إذ سوف يأتي إن شاء اللَّه تعالى بعد محاضرتين أنّ البحث في سنن التاريخ خلق وهماً، وحاصل هذا الوهم الذي خلقه هذا البحث عند كثير من المفكرين: أنّ هناك تعارضاً وتناقضاً بين حرية الإنسان واختياره وبين سنن التاريخ، فإمّا أن نقول بأنّ للتاريخ سننه وقوانينه، وبهذا نتنازل عن إرادة الإنسان واختياره وعن حريته، وإمّا أن نسلّم بأنّ الإنسان كائن حرّ مريد مختار، وبهذا يجب أن نلغي سنن التاريخ وقوانينه ونقول بأن هذه الساحة قد اعفيت من القوانين التي لم تعف منها بقية الساحات الكونية.
هذا الوَهْمُ، وهم التعارض والتناقض بين فكرة السنة التاريخية أو القانون التاريخي وبين فكرة اختيار الإنسان وحرّيته، هذا الوهم كان من الضروري للقرآن الكريم أن يزيحه وهو يعالج هذه النقطة بالذات. ومن هنا أكد سبحانه وتعالى على أن المحور في تسلسل الأحداث والقضايا إنّما هو إرادة الإنسان.
وسوف أتناول إن شاء اللَّه تعالى بعد محاضرتين الطريقة الفنية في كيفية التوفيق بين سنن التاريخ وإرادة الإنسان، وكيف استطاع القرآن الكريم أن يجمع بين هذين الأمرين من خلال فحص للصيغ التي يمكن في إطارها صياغة السنة التاريخية. سوف أتكلم عن ذلك بعد محاضرتين. لكن يكفي الآن أن نستمع إلى قوله سبحانه وتعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ»[1].
«وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً»[2].
«وَ تِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً»[3].
[1] الرعد: 11
[2] الجن: 16
[3] الكهف: 59