عليك وعلى كلمتك وعلى دعوتك، ولهذا صار أمامهم طريق واحد وهو إخراجك من مكة. وهناك سنّة من سنن التاريخ- سوف يأتي إن شاء اللَّه شرحها بعد ذلك- يشار إليها في هذه الآية الكريمة، وهي أ نّه إذا وصلت عملية المعارضة إلى مستوى إخراج النبي من هذا البلد، بعد عجز هذه المعارضة عن كل الوسائل والأساليب الاخرى، فإنّهم لا يلبثون إلّاقليلًا.
ليس المقصود من: أ نّهم لا يلبثون إلّاقليلًا، يعني أ نّه سوف ينزل عليهم عذاب اللَّه سبحانه وتعالى من السماء؛ لأنّ أهل مكة أخرجوا رسول اللَّه بعد نزول هذه السورة، استفزّوه وأرعبوه، وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من مكّة إذ لم يجد له ملجأً وأماناً في مكة، خرج إلى المدينة ولم ينزل عذاب من السماء على أهل مكة، وإنّما المقصود في أكبر الظن من هذا التعبير أ نّهم لا يمكثون كجماعة صامدة معارضة يعني كموقع اجتماعي لا يمكثون، لا كاناس، كبشر، وإنّما هذا الموقع سوف ينهار نتيجة هذه العملية، سوف ينهار هذا الموقع، لا يمكثون إلّاقليلًا؛ لأنّ هذه النبوة التي عجز هذا المجتمع عن تطويقها سوف تستطيع بعد ذلك أن تهزّ هذه الجماعة كموقع للمعارضة. وهذا ما وقع فعلًا، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حينما اخرج من مكة لم يمكثوا بعده إلّاقليلًا؛ إذ فقدت المعارضة في مكة موقعها، وتحولت مكة إلى جزء من دار الإسلام بعد سنين معدودة.
إذن الآية تتحدّث عن سنة من سنن التاريخ، وتؤكد وتقول: «وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا».
«قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ»[1].
[1] آل عمران: 137