للقرآن مثل ذلك على الساحات الاخرى؟ ولا حرج على القرآن في أن لا يكون له ذلك على الساحات الاخرى؛ لأنّ القرآن لو صار في مقام استعراض هذه القوانين وكشف هذه الحقائق، لكان بذلك يتحوّل إلى كتاب آخر نوعياً، يتحوّل من كتاب للبشرية جمعاء إلى كتاب للمتخصّصين يدرّس في الحلقات الخاصة.
قد يلاحظ بهذا الشكل على اختيار هذا الموضوع، إلّاأنّ هذه الملاحظة رغم أنّ الروح العامّة فيها صحيحة، بمعنى أنّ القران الكريم ليس كتاب اكتشاف ولم يطرح نفسه ليجمد في الإنسان طاقات النمو والإبداع والبحث وإنّما هو كتاب هداية، ولكن مع هذا يوجد فرق جوهري بين الساحة التاريخية وبقية ساحات الكون، هذا الفرق الجوهري يجعل من هذه الساحة ومن سنن هذه الساحة أمراً مرتبطاً أشدّ الارتباط بوظيفة القرآن ككتاب هداية، خلافاً لبقية الساحات الكونيّة والميادين الاخرى للمعرفة البشرية؛ وذلك أنّ القرآن كتاب هداية وعمليّة تغيير، هذه العمليّة التي عُبّر عنها في القرآن الكريم بأ نّها إخراج للناس من الظلمات إلى النور.
عمليّة التغيير الإجتماعي وأبعادها:
وعمليّة التغيير هذه فيها جانبان:
الجانب الأوّل: جانب المحتوى، المضمون، ما تدعو إليه هذه العملية التغييرية من أحكام، من مناهج، ما تتبنّاه من تشريعات، هذا الجانب من عملية التغيير جانب ربّاني، جانب إلهي سماوي، هذا الجانب يمثّل شريعة اللَّه سبحانه وتعالى التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه و آله وتحدّت بنفس نزولها عليه كلّ سنن التاريخ المادية؛ لأنّ هذه الشريعة كانت أكبر من الجوّ الذي نزلت عليه، ومن البيئة التي حلّت فيها، ومن الفرد الذي كلّف بأن يقوم بأعباء تبليغها.