من أصنامها؛ لأنّ ظاهرة الصنميّة في حياة الإنسان نشأت عن سببين: أحدهما عبوديته للشهوة التي تجعله يتنازل عن حرّيته إلى الصنم الإنساني الذي يقدر على إشباع تلك الشهوة وضمانها له، والآخر: جهله بما وراء تلك الاقنعة الصنميّة المتألهة من نقاط الضعف والعجز. والإسلام حين حرّر الإنسان من عبودية الشهوة، وزيّف تلك الاقنعة الخادعة كان طبيعياً أن ينتصر على الصنميّة ويمحو من عقول المسلمين عبودية الأصنام بمختلف أشكالها وألوانها.
الحرّية في مجال السلوك العملي:
وبعد تحرير الإنسان داخلياً من عبوديات الشهوة وتحريره خارجياً من عبوديات الأصنام، سواء كان الصنم امّة أم فئة أم فرداً يجيء دور الحرّية في مجال السلوك العملي للفرد، وهنا يختلف الإسلام عن الحضارات الغربية الحديثة التي لا تضع لهذه الحرية العملية للفرد حداً إلا حرّيات الأفراد الآخرين، فالإسلام يهتم قبل كل شيء- كما عرفنا- بتحرير السلوك العملي للفرد من عبودية الشهوات أو عبودية الأصنام ويسمح مجال التصرف للفرد كما يشاء، على أن لا يخرج عن حدود اللَّه، فالقرآن يقول: «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» «وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ»، وبذلك يضع الكون بأسره تحت تصرف الإنسان وحرّيته، ولكنها حرّية محدودة بالحدود التي تجعلها تتفق مع تحرّره الداخلي من عبودية الشهوة وتحرّره الخارجي من عبودية الأصنام، وأمّا الحرّية العملية في عبادة الشهوة والالتصاق بالأرض ومعانيها والتخلّي عن الحرّية الإنسانية بمعناها الحقيقي، وأما الحرّية العملية في عبادة الأصنام البشرية والتقرب لها والانسياق وراء مصالحها والتخلّي عن الرسالة الحقيقية الكبرى للإنسان في الحياة، فهذا ما لا يأذن به الإسلام؛ لأنّه تحطيم لأعمق معاني الحرّية