الصعيد الإجتماعي في القوانين التي تشرّع لتنظيم المجتمع وضبط تصرفاته.
وهكذا تصبح الحرية المطلقة فكرة خيالية، حين يبدأ الإنسان حياته الإجتماعية، ويصبح الشيء المهم هو تحديد النصيب الذي يجب أن يحتفظ به لكل فرد من الحرية.
الحرّية في الحضارات الغربيّة:
وقد حرصت الحضارات الغربية الحديثة على تقليص هذا التحديد- تحديد الحرية- إلى أبعد الحدود، وتوفير أكبر نصيب ممكن من الحرية لكل فرد في سلوكه الخاص، وهذا النصيب هو القدر الذي لا يتعارض مع حرّيات الآخرين، فلا تنتهي حرية كل فرد إلا حيث تبدأ حرّيات الأفراد الآخرين.
وليس من المهم بعد توفير هذه الحرية لجميع الأفراد طريقة استعمالها والنتائج التي تتمخض عنها وردود الفعل النفسية والفكرية لها، مادام كل فرد حرّاً في تصرفاته وسلوكه وقادراً على تنفيذ إرادته في مجالاته الخاصة، فالمخمور مثلًا لا حرج عليه أن يشرب ما شاء من الخمر، ويضحّي بآخر ذرّة من وعيه وادراكه، لأن من حقه أن يتمتع بهذه الحرية في سلوكه الخاص، ما لم يعترض هذا المخمور طريق الآخرين أو يصبح خطراً على حرياتهم بوجه من الوجوه.
وقد سكرت الإنسانية على أنغام هذه الحرية، وأغفت في ظلالها برهة من الزمن، وهي تشعر لأوّل مرة أنها حطّمت كل القيود، وإن هذا العملاق المكبوت في أعماقها آلاف السنين قد انطلق لأول مرة، واتيح له أن يعمل كما يشاء في النور دون خوف أو قلق.
ولكن لم يدم هذا الحلم اللذيذ طويلًا، فقد بدأت الإنسانية تستيقظ ببطءٍ وتدرك بصورة تدريجية ولكنها مرعبة أنّ هذه الحرية ربطتها بقيود هائلة، وقضت