الحرّية عاطفة أصيلة:
مفهوم الحرّية من تلك المفاهيم التي تلتقي عندها مشاعر الناس جميعاً، وهذه الصلة العاطفية التي تربط الإنسان بالحرية ليست ظاهرة حديثة في تاريخ الإنسانية، ولا من نتائج الكيانات الحضارية التي يعيشها الإنسان الرأسمالي والإشتراكي اليوم، وإن استغلّت بعض الحضارات الحديثة عاطفة الإنسان تجاه الحرّية إلى أبعد حدود الاستغلال. وإنما تعبّر هذه الصلة العاطفية عن عاطفة أصيلة في النفس البشرية تشعّ من كل ثنايا التاريخ حتى تبدو قصة الإنسان نفسه، وكأنها معركة تحرّر وتحرير يخوضها على مرّ الزمن منذ أعماق التاريخ إلى يوم الناس هذا، بالرغم من اختلاف أشكال المعركة وألوانها وأهدافها وأساليبها باختلاف القيم الفكرية التي ترتكز عليها.
وهذه الظاهرة العاطفية العامة نجد تفسيرها في جانب ثابت من تكوين الإنسان وهو الارادة، فالإنسان مجهز ضمن تركيبه العضوي والنفسي بالإرادة، وهو لذلك يحبّ الحرّية ويهواها، لأنّها تعبير عملي عن امتلاكه لارادته وإمكان استخدامها لمصالحه، وكما يسوء الإنسان أن يعطّل أيّ جهاز من أجهزته عن العمل، يسوءه بطبيعة الحال أن يشلّ جهازه الاداري بانتزاع الحرية منه.
تحديد الحرّية:
غير أنّ الإنسان آمن منذ البدء بأنّ الحرية المطلقة لا يمكن أن توفّر للفرد الاعتيادي الذي يعيش ضمن مجتمع مترابط، لأن الحرية المطلقة لكل فرد في المجتمع تصطدم بحريات الآخرين، وبالتالي يستقطب التناقض في الجهاز الإجتماعي، حتى يتفسخ، فلكي يحتفظ كل فرد بنصيب من حريته بعيداً عن تدخّلات الآخرين، لا بدّ له أن يتنازل عن شيء منها، وينعكس هذا التنازل على