الكريم واستنطاق له، وليست مجرّد استجابة سلبية، بل استجابة فعّالة وتوظيفاً هادفاً للنّص القرآني في سبيل الكشف عن حقيقة من حقائق الحياة الكبرى.
قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام- وهو يتحدّث عن القرآن الشريف-: «ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق، ولكن اخبركم عنه: ألا إنّ فيه علم ما يأتي، والحديثَ عن الماضي، ودواءَ دائكم، ونظمَ ما بينكم»[1]. التعبير بالاستنطاق الذي جاء في كلام ابن القرآن عليه الصلاة والسلام أروع تعبير عن عملية التفسير الموضوعي بوصفها حواراً مع القرآن الكريم وطرحاً للمشاكل الموضوعية عليه بقصد الحصول على الإجابة القرآنية عليها.
إذن فأوّل أوجه الاختلاف الرئيسية بين الاتّجاه التجزيئي في التفسير والاتّجاه الموضوعي في التفسير أنّ الاتّجاه التجزيئي يكون دور المفسّر فيه دوراً سلبياً: يستمع ويسجّل، بينما التفسير الموضوعي ليس هذا معناه وليس هذا كُنهَه، وإنّما وظيفة التفسير الموضوعي دائماً وفي كلّ مرحلة وفي كلّ عصر أن يحمل كلّ تراث البشرية الذي عاشه، يحمل أفكار عصره، يحمل المقولات التي تعلّمها في تجربته البشرية ثم يضعها بين يدي القرآن، بين يدي الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ ليحكم على هذه الحصيلة بما يمكن لهذا المفسّر أن يفهمه، أن يستشفّه، أن يتبيّنه من خلال مجموعة آياته الشريفة.
إذن فهنا يلتحم القرآن مع الواقع، يلتحم القرآن مع الحياة. التفسير يبدأ من الواقع وينتهي إلى القرآن، لا أ نّه يبدأ من القرآن وينتهي بالقرآن، فتكون عملية منعزلة عن الواقع منفصلة عن تراث التجربة البشرية، بل هذه العملية عملية تبدأ من الواقع وتنتهي بالقرآن القيّم، بوصفه المصدر الذي يحدَّد على ضوئه
[1] نهج البلاغة: الخطبة 158