من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن وانّ له لحلاوة وانّ عليه لطلاوة وانّ أعلاه لمثمر وانّ أسفله لمعذق وانه ليعلو وما يعلى» ثم انصرف الى منزله فقالت قريش: صبا واللَّه الوليد واللَّه ليصبأن قريش كلهم، فقال ابو جهل: انا أكفيكموه، فانطلق فقعد الى جنب الوليد حزيناً، فقال له الوليد ما لي اراك حزيناً يابن أخي؟ فقال له: هذه قريش يصيبونك على كبر سنك، ويزعمون انك زينت كلام محمد، فقام الوليد مع ابي جهل حتى اتى مجلس قومه، فقال لهم:
تزعمون أنّ محمداً مجنون فهل رأيتموه يخنق قط؟! فقالوا: اللهم لا، فقال:
تزعمون أ نّه كاهن، فهل رأيتم عليه شيئاً من ذلك؟! قالوا: اللهم لا، فقال:
تزعمون أ نّه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط؟! قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أ نّه كذاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب؟! فقالوا: اللهم لا، فما هو اذن؟
فغرق الوليد في الفكر ثم قال: ما هو الا ساحر! أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، فنزل قوله تعالى: «إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ* فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ»[1].
وقد افترض بعض العرب- أمام تحدي القرآن لهم بنزوله على شخص امي- ان يكون أحد من البشر قد علَّم النبي القرآن، ولم يجرؤا وهم الاميّون على دعوى تعلمه من احد منهم، فقد ادركوا بالفطرة أنّ الجاهل لا يعلم الناس شيئاً، وانما زعموا أنّ غلاماً رومياً أعجمياً نصرانياً، يشتغل في مكة قيناً (حداداً) يصنع السيوف، هو الذي علم النبي القرآن، وكان ذلك الغلام على عاميته يعرف القراءة والكتابة؛ وقد تحدث القرآن الكريم عن افتراض العرب هذا، وردّ عليه
[1] البداية والنهاية 3: 78. والآيات من سورة المدّثّر: 18- 24