القرآن آية آية. إذن الاتّجاه الموضوعي هو الذي سيطر على الساحة الفقهية، بينما الاتّجاه التجزيئي هو الذي سيطر على الساحة القرآنية.
وأمّا ما ظهر على الصعيد القرآني من دراسات تسمّى بالتفسير الموضوعي أحياناً من قبيل دراسات بعض المفسّرين حول موضوعات معيّنة تتعلّق بالقرآن الكريم- كأسباب النزول أو القراءات أو الناسخ والمنسوخ أو مجازات القرآن- فليست من التفسير التوحيدي والموضوعي بالمعنى الذي نريده، فإنّ هذه الدراسات ليست في الحقيقة إلّاتجميعاً عددياً لقضايا من التفسير التجزيئي لوحظ فيما بينها شيء من التشابه. وفي كلمة اخرى ليست كلّ عمليّة تجميع أو عزل دراسة موضوعيّة، وإنّما الدراسة الموضوعية هي التي تطرح موضوعاً من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية وتتّجه إلى درسه وتقييمه من زاوية قرآنية للخروج بنظرية قرآنية بصدده.
وأكثر ظنّي أنّ الاتّجاه التوحيدي والموضوعي في الفقه بامتداده وانتشاره ساعد بدرجة كبيرة على تطوير الفكر الفقهي وإثراء الدراسات العلمية في هذا المجال، بقدر ما ساعد انتشار الاتّجاه التجزيئي في التفسير على إعاقة الفكر الإسلامي القرآني عن النمو المستمرّ، وساعد على اكتسابه حالة تشبه الحالات التكرارية حتى نكاد نقول: إنّ قروناً من الزمن متراكمة مرّت بعد تفاسير الطبري والرازي والشيخ الطوسي لم يحقّق فيها الفكر الإسلامي مكاسب حقيقية جديدة، وظلّ التفسير ثابتاً لا يتغيّر إلّاقليلًا خلال تلك القرون على الرغم من ألوان التغيّر التي حفلت بها الحياة في مختلف الميادين، وسوف يتّضح إن شاء اللَّه تعالى من خلال المقارنة بين الاتّجاهين- الاتّجاه التجزيئي والاتّجاه التوحيدي- السبب والسّر الذي يكمن وراء هذه الظاهرة.