شجاعة الاسود، هذه شجاعة المؤمن الذي أسكره حبّ اللَّه.
وكان قمة الشجاعة في الرفض وفي الإباء حينما طرح عليه ذلك الرجل أن يبايعه على شروط تخالف كتاب اللَّه وسنّة رسوله بعد مقتل الخليفة الثاني، ماذا صنع هذا الرجل العظيم؟ هذا الرجل العظيم الذي كان يحترق؛ لأنّ الخلافة ذهبت من يده، يحترق من أجل اللَّه لا من أجل نفسه، يقول: «لقد تقمّصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى»[1]. هذا الرجل الذي كان يحترق؛ لأنّ الخلافة خرجت من يده. لو أنّ إنساناً يقرأ هذه العبارة وحدها لقال: ما أكثر شهوة هذا الرجل إلى السلطان وإلى الخلافة! لكن هذا الرجل نفسه، هذا الرجل بذاته عرضت عليه الخلافة، عرضت عليه رئاسة الدنيا فرفضها، لا لشيء إلّالأنّها شرطت بشرط يخالف كتاب اللَّه وسنّة رسوله. من هنا نعرف أنّ ذلك الاحتراق لم يكن من أجل ذاته، وإنّما كان من أجل اللَّه سبحانه وتعالى.
إذن هذه الشجاعة شجاعة البراز في يوم البراز، وشجاعة الصبر في يوم الصبر، وشجاعة الرفض في يوم الرفض، هذه الشجاعة خلقها في قلب علي حبّه للَّهلا اعتقاده بوجود اللَّه، هذا الاعتقاد الذي يشاركه فيه فلاسفة الإغريق أيضاً. أرسطو أيضاً يعتقد بوجود اللَّه. أفلاطون أيضاً يعتقد بوجود اللَّه. الفارابي أيضاً يعتقد بوجود اللَّه. ماذا صنع هؤلاء للبشرية؟ وماذا صنعوا للدين أو للدينا؟
ليس الاعتقاد وإنما حبّ اللَّه إضافة إلى الاعتقاد. هذا هو الذي صنع
[1] نهج البلاغة: الخطبة 3