المستضعفين كالطائفة الاولى، وليسوا من الحاشية المتملقين، وليسوا أيضاً من الهمج الرعاع الذين فقدوا لبّهم، لا بل بالعكس هم يشعرون بأ نّهم مستضعفون:
«قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ»، هؤلاء لم يفقدوا لبّهم، يدركون واقعهم ولكنهم كانوا عملياً مهادنين، ولهذا عبّر عنهم القرآن بأ نّهم ظلموا أنفسهم. هذه الطائفة هل يترقب منها أن تساهم بإبداع حقيقي في مجال علاقات الإنسان مع الطبيعة؟ طبعاً كلا.
الطائفة الخامسة:
الطائفة الخامسة في عملية التجزئة الفرعونية للمجتمع هي: الطائفة التي تتهرّب من مسرح الحياة، تبتعد عن المسرح وتتهرّب منه وتترهّب، وهذه الرهبانية ظاهرة موجودة في كل مجتمعات الظلم على مرّ التاريخ، وهي تتخذ صيغتين:
الاولى صيغة جادّة، رهبانية جادّة تريد أن تفرّ بنفسها لكي لا تتلوّث بأوحال المجتمع، هذه الرهبانية الجادّة هي التي عبّر عنها القرآن الكريم بقوله:
«وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها»[1] هذه الرهبانية يشجبها الإسلام، لأنّها موقف سلبي تجاه مسؤولية خلافة الإنسان على الأرض.
وهناك صيغة مفتعلة للرهبانية: يترهّب ويلبس مسوح الرهبان ولكنه ليس راهباً في أعماق نفسه، وإنّما يريد بذلك أن يخدّر الناس ويشغلهم عن فرعون وظلم فرعون ويسطو عليهم نفسياً وروحياً، وهذا هو الذي عبّر عنه القرآن الكريم بقوله: «إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّون
[1] الحديد: 27