الذي أنار قلوب المسلمين الأوائل الذين كانوا لا يعرفون حدّاً للمشاركة والمواساة، والذين كانوا يشاطرون إخوانهم غنائمهم وسرّاءهم وضرّاءهم؟
هل تحوّل هؤلاء بين عشية وضحاها إلى مسلمين، إلى قلوب مسلمة؟
لا، لم يتحقق شيء من ذلك، لا (كارل ماركس) كان سيّىء الظن بهؤلاء، كان ظنّه منطبقاً على هؤلاء انطباقاً تاماً، ولا أنّ هؤلاء أرعبهم شبح العامل فتنازلوا من أجل إسكاته، ولا أنّ قلوبهم خفقت بالتقوى، لم تعرف التقوى ولن تعرف التقوى؛ لأنّها انغمست في لذّات المال وفي الشهوات، لم يتحقق شيء من ذلك. إذن ماذا وقع وكيف نفسّر هذا الذي وقع؟
هذا الذي وقع في الحقيقة كان نتيجة تناقض آخر عاش مع التناقض الطبقي منذ البداية، لكن (ماركس) والثوّار الذين ساروا على هذا الطريق لم يستطيعوا أنْ يكتشفوا ذلك التناقض، ولهذا حصروا أنفسهم في التناقض الطبقي، في التناقض بين المليونير الأمريكي والعامل الأمريكي، بين الغني الانجليزي والعامل الإنجليزي، ولم يدخلوا في الحساب التناقض الآخر الأكبر الذي أفرزه جدل الإنسان الاوروبي، أفرزه تناقض الإنسان الاوروبي، فغطّى على هذا التناقض الطبقي، بل جمّده، بل أوقفه إلى فترة طويلة من الزمن.
ما هو ذلك التناقض؟ نحن بنظرتنا المنفتحة يمكننا أن نبصر ذلك التناقض، أن نضع إصبعنا على ذلك التناقض؛ لأنّنا لم نحصر أنفسنا في إطار التناقض الطبقي، بل قلنا: إنّ جدل الإنسان دائماً يفرز أيّ شكل من أشكال التناقض الاجتماعي. ذلك التناقض الآخر وجد فيه الرأسمالي المستغِل الاوروبي والأمريكي، وجد فيه أنّ من طبيعة هذا التناقض أن يتحالف مع العامل، مع من يستغلّه لكي يشكّل هو والعامل قطباً في هذا التناقض. لم يعد التناقض تناقضاً بين الغني الاوروبي والعامل الاوروبي، بل إنّ هذين الوجودين الطبقيين تحالفا معا